إذاً، انتهت القمة الاقتصادية العربية وعادت الوفود المشاركة فيها الى بلدانها، ليبدأ تقييم نتائجها لبنانياً وعلى المستوى العربي، خصوصاً انّها لم تكن باعثة على التفاؤل، في ضوء اعتذارات الغالبية الساحقة من الملوك والرؤساء العرب عن حضورها، وخفض مستوى التمثيل فيها الى رؤساء حكومات ووزراء خارجية ومال واقتصاد، باستثناء قطر التي حضر اميرها الشيخ تميم لساعات، والرئيس الموريتاني الذي حضر القمة من ألفها الى يائها.

والتقييم الاولي للقمة الذي خرج به بعض المعنيين، اظهر انّ مستوى الحضور المتدني الصادم فيها لم تعوّضه قراراتها التي جاءت روتينية.

والبعض اعتبر انّ لبنان لم يحصل منها على ما عوّل من مساعدات اقتصادية ومالية، او على مستوى قضية النازحين التي ينوء تحت أعبائها، وان كانت القمة دعت الى تمويل مشاريع في الدول المضيفة لهم. علماً انّ بعض المبادرات التي طُرحت لا يمكن الاستفادة منها سريعاً، لأنها تحتاج الى وقت لتنفيذها، من مثل مبادرة امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، القاضية بإنشاء صندوق الاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي برأسمال مقداره 200 مليون دولار، ومساهمة الكويت بربع هذا المبلغ، وكذلك مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الداعية الى إنشاء "مصرف عربي لاعادة الاعمار والتنمية"، الذي يحتاج الى وقت طويل لتنفيذه.

إعلان بيروت

وكان قادة الدول العربية المُشاركين في "القمة العربية التنموية"، دعوا في "اعلان بيروت" الذي اصدروه، المجتمع الدولي لـ"دعم الدول العربية المستضيفة للنازحين واللاجئين السوريين، وإقامة المشاريع التنموية لديها للمساهمة في الحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن هذه الاستضافة".

وكلّفوا الأمانة العامة بـ"الدعوة الى عقد اجتماع يضمّ الجهات الدولية المانحة والمنظمات المتخصصة والصناديق العربية، بمشاركة الدول العربية المستضيفة للنازحين واللاجئين السوريين، للاتفاق على آلية واضحة ومحددة لتمويل هذه المشاريع".

ودعا القادة المُشاركون، المجتمع الدولي إلى "تحمُّل مسؤولياته للحد من مأساة النزوح واللجوء، ووضع كل الإمكانيات المتاحة لإيجاد الحلول الجذرية والناجعة، ومضاعفة الجهود الدولية الجماعية لتعزيز الظروف المؤاتية لعودة النازحين واللاجئين إلى اوطانهم، بما ينسجم مع الشرعية الدولية ذات الصلة، ويكفل احترام سيادة الدول المضيفة وقوانينها النافذة".

وناشدوا "الدول المانحة الاضطلاع بدورها في تحمُّل أعباء أزمة النزوح واللجوء والتحدّيات الإنمائية، من خلال تنفيذ تعهداتها المالية، والعمل على تقديم التمويل المنشود للدول المضيفة لتلبية حاجات النازحين واللاجئين ودعم البنى التحتية، وكذلك تقديم المساعدات للنازحين واللاجئين في أوطانهم تحفيزاً لهم على العودة".

كذلك، شدّد "إعلان بيروت" على ضرورة تكاتف جميع الجهات الدولية المانحة والمنظمات المتخصصة والصناديق العربية، من أجل التخفيف من معاناة اللاجئين والنازحين وتأمين تمويل تنفيذ مشاريع تنموية في الدول العربية المستضيفة لهم، من شأنها أن تدعم خطط التنمية الوطنية وتساهم في الحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذه الاستضافة الموقتة".

ودعا الإعلان، إلى "جذب مزيد من الاستثمارات العربية والدولية في الدول المستضيفة".

لغة جديدة

وقالت مصادر مراقبة لـ"الجمهورية" انّ أبرز ما نجح لبنان في تثبيته خلال القمة، كان إدخال مفهوم سياسي جديد الى ملف النازحين السوريين من خلال "اعلان بيروت" وجوهره، تشجيع عودة النازحين من خلال تمويلها، بحيث أنّ الأموال التي ‏تدفعها الأمم المتحدة للنازحين في البلدان التي نزحوا إليها تستمر في دفعها لهم بعد عودتهم إلى سوريا. وفي هذا البيان أول لغة سياسية ديبلوماسية وحتى قانونية مشتركة وموحدة بين الدول العربية في موضوع تحفيز النازحين على العودة بدعمهم مالياً.

أين كلمة لبنان؟

وفي سياق متصل، قالت مصادر معنية لـ"الجمهورية" انّ "القمة انعقدت وانتهت، ولكن، يبقى سؤال مطروح في اوساط مختلفة هو: أين كلمة لبنان في هذه القمة، فرئيس الجمهورية القى كلمة رئاسة القمة، فلماذا غاب الرئيس سعد الحريري عن الصورة ولم يلقِ كلمة لبنان؟".

وعندما سُئل رئيس مجلس النواب نبيه بري عن هذا الموضوع، أوضح انّه في اي اجتماع برلماني عربي يُعقد برئاسته، يتولى هو تلاوة كلمة الرئاسة، وينوب أحد النواب القاء كلمة الوفد اللبناني "وهو امر لم نره في القمة الاقتصادية".

باسيل الى دمشق

في غضون، ذلك قالت مصادر ديبلوماسية لـ"الجمهورية" انّ دمشق "عابت على الفريق "الحليف" لها في السلطة اللبنانية عدم ممارسته الضغط المسبَق المطلوب لكسب التزام عربي بعودة قريبة لها الى الجامعة العربية، لا بل الحماسة الرسمية اللبنانية، في وقت كانت الرسائل الاميركية التي حملها الموفد ديفيد هيل الى بيروت واضحة: "من الأفضل عدم الذهاب الى حكومة جديدة تكرّس التوازنات لمصلحة المحور الإيراني، وليكن الحل بتفعيل الحكومة المستقيلة".

وهو ما أعطى انطباعاً بأنّ للحكومة ثمنها أيضاً. لكنّ المواقف التي اطلقها باسيل في القمة تضمّنت تطمينات واضحة لسوريا، اضافة الى تواصل له مع دمشق يُنبئ بزيارة رسمية معلنة الى الرئيس السوري بشار الأسد قريباً، بعدما كانت دمشق اعتذرت سابقاً عن طلب باسيل زيارتها سراً.

بري والقمة والتعطيل 

الى ذلك، اكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري انه لا يتفق مع القائلين انّ البلد امام اشهر تعطيل طويلة، وقال: "ان شاء الله لا، اسمع كلاماً بأنّ الامور ستسير إيجاباً بعد القمة"، مع ترجيح ان تتم الموافقة على الاقتراح الذي قدّمه قبل أربعة اشهر واختيار واحد من الـ"9" ( نواب اللقاء التشاوري الـ 6، والاسماء الثلاثة المطروحة التي إقترحوها )، هذا هو المخرج الوحيد".

ورداً على سؤال عمّا اذا كان "اتفاق الطائف" قد اقرّ الثلث الضامن للمسيحيين تعويضاً عن الصلاحيات التي أُخذت منهم قال بري:"لا اعرف من أين جاؤوا بهذا الكلام".

وفي السياق نفسه، قال احد المشاركين في اجتماعات الطائف النائب السابق بطرس حرب، رداً على سؤال لـ"الجمهورية" حول ما اورده الوزير جبران باسيل عن هذا الامر: "ما هذه المزحة. انّ هذا الكلام يشكّل ضرباً لاتفاق الطائف وتفريغاً لأي اتفاق وطني، بل هي محاولة وضع اليد على البلد خلافاً للدستور والقانون ولوثيقة الوفاق الوطني.

ولفت حرب الى "اننا عندما كنا في الطائف كنا نحاول ان نُخرج البلد من نزاعات البعض مع جميع الآخرين، ولم نكن نحاول ان ننشىء مزارع، ونقسّم البلد ونعطي كل واحد "شقفة"... يا عيب الشوم".

في سياق آخر، وكما انّ الرئيس بري عبّر عن ارتياح بالغ لما تضمنته رسالة الوزير جبران باسيل الى الجامعة العربية حول الامام الصدر، فإنه قدّر عاليا ما قاله باسيل في مؤتمره الصحافي بعد انتهاء القمة، حول مسؤولية السلطات الليبية في الكشف عن مصير الامام الصدر، حيث اعتبر هذا الكلام "كلام رجل دولة، وان شاء الله يستمر بهذه الروحية".

ورداً على سؤال عن صحة ما تردّد عن ان الموفد الاميركي ديفيد هيل اعاد طرح موضوع وزارتي الصحة والمال من زاوية التحفظ عن اسنادهما الى حركة "امل" وحزب الله، قال بري: "هذا الامر غير صحيح ولم يبحث معي على الاطلاق، هناك مسألة اساسية تؤدي الى تشكيل الحكومة عبر السير بالمخرج الوحيد الذي طرحته. علماً ان الاميركيين لم يخفوا نيتهم في السعي للضغط على ايران لكي يخضعوها في فترة اشهر، وبحسب ما قالوا فإنهم لن يتركوها ترتاح".