إستطاعت ماكنزي خلال 92 عاماً تحقيق سمعة كبيرة في عالم الاستشارات، حتى أصبحت ظاهرة عملاقة مع 127 مكتباً حول العالم وأكثر من 27 ألف موظف، وايرادات سنوية تبلغ أكثر من 10 مليارات دولار.
للعلم، انّ أفضل الطلاب وفي أهم المدارس حول العالم يتنافسون على شرف الانضمام الى هذه الشركة، على اعتبار انها فرصة تمكّنهم من اضافة إسم ماكنزي على سيرتهم الذاتية. والواقع انّ ماكنزي لها شهرة عالمية وخبراؤها الاستشاريون استطاعوا مساعدة العديد من الحكومات لوضع سياسات تخلق فرص العمل وتخفّف وطأة الفقر. لكن هنالك الكثير من الامور التي لم تذكر حول ماكنزي وسوء المشورة التي قدمتها في سجلات الأعمال، وعلى سبيل المثال لا الحصر استشارة شركة Enron وtime warner واندماجها مع AOL وشركة General Motors وسوء المشورة تجاه صنّاع السيارات في اليابان. وفي العام 1980 قالت ماكنزي لـAT&T إنها تتوقع ان تبلغ سوق الهواتف المحمولة في الولايات المتحدة في العام 2000 ما عدده 900 الف، وتبيّن انّ العدد مغاير للواقع. ونكتفي بالقليل، الّا انه اذا تَمعنّا بسيرة ماكنزي نرى انها اخفقت في مجالات كثيرة، والقائمة تطول وتطول.
 
إذا ما تطلعنا الى كتاب Duff Mcdonalds الذي يؤرّخ سيرة ماكنزي، نرى انه يستكشف الانفصام الواقع بين مشورة ماكنزي والنتائج النهائية.
 
وفي تناقض صارخ مع هذا السجل من الانجازات، برز مؤخراً في «نيويورك تايمز» مقالات تركز على الجانب المظلم من ماكنزي العالمية والدور البارز الذي تؤديه في دول مثل الصين واوكرانيا والمملكة العربية السعودية وتركيا. وقد شاركت الشركة في 600 مشروع بين العامين 2011 و2018، وآخرها كان بيان تعقّبت به على شبكات التواصل الاجتماعي النقّاد الذين يعززون وجهات النظر السلبية تجاه السلطات، الأمر الذي أدّى الى إلقاء القبض على هؤلاء الاشخاص ما أثار حفيظة ماكنزي وقولها انّ التقدير أُسيء استعماله.
 
وحسب مجلة Times تعاملت MC Kinsey دائماً مع الزعيم الاوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، كما عملت مع رجال اعمال مثل Rinat Akhmetov والذي كان اسمه بارزاً على لائحة العقوبات الغربية.
 
قد يكون استدعاء ماكنزي، وفي كثير من الاحيان لتقديم المشورة والدراسة، ليس سوى عذر تقوم به الشركات لإجراء تغييرات مهمة، وقد لا تلقى استحساناً من قبل الموظفين. هذا الوضع ينطبق على لبنان، لاسيما انّ استشارة ماكنزي جاءت مغايرة لِما يتمناه الكثيرون، وخصوصاً من ناحية الخصخصة وتخفيض معاشات القطاع العام وزيادة الضريبة على القيمة المضافة. وهي أمور قد تأتي بظروف غير مؤاتية وفي ظل تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية، وفي غياب اي تباشير على انها سوف تحلّ قريباً.
 
وقد يبدو للعامّة انها امور بديهية، وأنّ تحقيقها قد يثير ازمة، الّا انه ومن المؤكد انّ هذه الامور لن تجري بدون تحليلها وتحليل تبعاتها على الاقتصاد.
لذلك، هذه المشورة قد نلتزم بقسم منها ونترك القسم الباقي، كون الامور لا تسير بالواقع كما على الورق. وأخيراً، نحن الذين سوف نطبّق دراسة ماكنزي.
 
واذا كانت الامور معارضة لوضعيتها فقد نرفضها ولا نلتزم بها، وقد يكون الامر الاهم من هذه الدراسة هو وقف الهدر وإغلاق منافذه قبل الولوج الى أيّ عملية إصلاحية تدعو اليها ماكنزي. وقد تكون دراسة ماكنزي كما غيرها من الدراسات التي قام بها صندوق النقد الدولي في دول تعاني نفس المشاكل، لاسيما اليونان، دراسة تقشفية بعض الشيء قد لا تنجح، لاسيما انّ مثيلاتها وفي اليونان بالتحديد جاءت مغايرة للنتائج، وبالأخَص تقليل معاشات القطاع العام، الأمر الذي دفع اليونانيين الى تهريب اموالهم وعدم الافصاح عنها. كما انّ عدة امور اخرى، ابرزها التقشف، قد لا يساهم في حل المشاكل. اضف الى ذلك الخصخصة في قطاعات غير منتجة او التي تشكّل نزفاً في الاقتصاد، كقطاع الكهرباء. وقد يكون الافضل في هذا المجال إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام، والذي جاء بنتائج افضل في معظم الدول التي تَبعته.
 
وقد يكون الامر المهم والذي يجب ان نسلّط الضوء عليه، هو ما إذا كانت ماكنزي من خلال دراستها استطاعت الإضاءة على الميزات التفاضلية للبنان، لاسيما أنها ضرورية في اي خطة تصبو الى تعزيز الاقتصاد والتصدير والصناعة الوطنية، وإذا ما كان دخول لبنان في منظمة التجارة العالمية له فوائد، وهما أمران ضروريان ويجب الإضاءة عليهما. لا يجوز في دراسة كلّفت الخزينة أكثر من مليون دولار ان لا تكون هاتان النقطتان مذكورتان فيها.
 
امّا من الناحية الاقتصادية فخطة ماكنزي فيها بعض الامور التي تستلزم الدراسة المعمقة، لاسيما أجور القطاع العام وخبرات الدول مع تراجع هذه الاجور، والتي لم تثبت شيئاً البتة، بل كانت عملية إفقار مُمنهج لشعوب عاثَ الفساد فيها وكثر، وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة لملء خزينة الدولة. وكما سبق وذكرنا هي وصفة جميلة يتبعها صندوق النقد الدولي في جميع تحليلاته، ولم تعط نتائج تُذكر.
 
وللذين يعترضون على ماكنزي ويقولون بعدم جدواها، وانها لم تعط شيئاً لا نعرفه، نقول انّ جميع الدول، لاسيما الدول التي أصبحت صناعية إضافة الى دول كبرى اقتصادياً، اعتمدت دراسة قامت بها ماكنزي ونجحت. وهذا لا يعني اننا سنتبع الخطة حرفاً حرفاً، بل نأخذ منها ما يلزم اقتصادنا وحاجاتنا ونترك ما يسبّب الفوضى ويُفقر الشعب.
 
لذلك، قد تكون الفكرة الأساسية والتي تنطبق على جميع الدول المديونة في العالم وحيث الهدر والفساد سيّد الموقف، هو ان نستطيع السير بعملية إصلاحية لوقف الهدر، وتدلّ على الفساد، وتسعى لِمَحوه، ثم نتطلّع الى الامور التي أشارت اليها ماكنزي.
 
 
بروفسور غريتا صعب