أقل من أربع وعشرين ساعة فقط، فصلت بين ضفّتي «المواجهة الكلامية» بين الدبلوماسيَّين الضيفين، الأميركي والإيراني والتي حصلت وقائعُها على «عتبة» بيت الوسط.
 

مشهدٌ إستثنائي، حجبته حقبة «ربط النزاع» التي قادها رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري منذ أن قرّر المشاركة طوعاً في «حكومة «حزب الله» برئاسة تمام سلام، ومن ثم حياكته تفاهماً ثنائياً مع «التيار الوطني الحر» حمل العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، واستطراداً، الحريري إلى رئاسة الحكومة.

مشهدٌ لا يمكن أن يمرَّ مرور الكرام، لا في الحسابات الداخلية، ولا في تلك العابرة للاشتباك الإقليمي المتنقل بين مربّعات «الاقتتال» بـ«الواسطة»، بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران. 

أن يقول مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل على باب «بيت الوسط» - الذي هو اليوم عنوان الرئاسة الثالثة صاحبة صلاحية تأليف الحكومة - ما حرفيّته «لا يجوز أن يكون في لبنان ميليشيا خارج سيطرة الدولة تحفر الأنفاق عند الحدود وتقوم بجمع ترسانة من الصواريخ»، و«إنّ المجتمع الدولي يراقب الوضع الحكومي، وإنّ تشكيل الحكومة يعود للبنان ولكنّ نوع هذه الحكومة هو المهم للجميع». واضح أنّ هذا الكلام ليس كلاماً عابراً.

في موازاة كلام هيل، سرعان ما يأتي الردُّ الإيراني مزودجاً، أولاً من خلال بيان للسفارة في بيروت اعتبرت فيه أنّ مواقف هيل الأخيرة لا تندرج إلّا في إطار «التدخل السافر في شؤون الغير». وثانياً من خلال زيارة قام بها السفير محمد جلال فيروزنيا إلى «بيت الوسط» ليشدّد بعد لقائه الحريري على «أننا ندعم كل الجهود الرامية لتشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري ولا ربط بينها وبين التطورات في الخارج». فهو دليل إضافي على سخونة الخطوط الثنائية.

الحريري نفسه لا يمكن له أن يتغاضى عن هذه المشهديّة إذا ما استعاد معها شريط أحداث «أزمة الرابع من تشرين الثاني» 2017، والتي لربما صودف حصولُها في أعقاب لقاء الحريري بمستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي اكبر ولايتي في بيت الوسط، الذي أعلن يومها أنّ «إيران تدعم وتحمي دائماً استقلالَ لبنان وحكومته».

بهذا المعنى يعرف رئيس الحكومة جيداً أنّ التحذيرات التي سمعها من ضيفه الأميركي قبل أيام، كما سمعها أيضاً رئيس الجمهورية، لا تقرَّش في القاموس اللبناني تسهيلاً لمهمّته في تأليف الحكومة التي تقترب من إنهاء شهرها الثامن. لا بل هي النقيض تماماً.

يقول أحد المواكبين لمسار التأليف إنّ «الاشتباك» الأميركي- الإيراني في «الأجواء الحكومية» سيصعّب المهمة على الحريري، بعدما رفعت واشنطن سقفَ مواقفها، ربطاً بالتصعيد الحاصل في المنطقة، ما يعني بحسب هذه الشخصية، عودة الساحة اللبنانية إلى رقعة شطرنج المواجهة بين الخصمين، بعد مرحلة «تحييد»، تمكّن خلالها لبنان من انتخاب عون رئيساً للجمهورية.

ويقول المواكبون إنّه لا يمكن تجاوز تحذيرات الدبلوماسي الأميركي، التي فرضت نفسها على أجندة العوامل المؤثرة في مسار التأليف، حتى لو بلغ هذا المسار الأمتارَ الأخيرة، المرتبطة بالعقدة السنية فقط.

وبالتالي، فإنّ الحريري، كما يرى هؤلاء، سيكون أمام تحدي الوقائع المستجدّة، التي يبدو أنها فرضت تبديلاً في قواعد التأليف، نتيجة التصعيد الأميركي والذي ستظهر ترجمتُه في المرحلة المقبلة، لا سيما وأنّ هيل لم يتردّد في نقل تهديدات إدارته في توسيع دائرة العقوبات لتشمل حلفاء لـ«حزب الله» فيما لو أتى شكل الحكومة غير متناسب مع معايير الإدارة الأميركية.

ولكن كيف يمكن ترجمة هذه المعايير؟

في اعتقاد المطّلعين أنّ واشنطن تريد من حكومة لبنان أن تكون «متوازنة» بمعنى ألّا تكون اليد الطولى فيها لـ«حزب الله»، أو «يهمين» عليها وفق التوصيف الأميركي. وهذا توصيف قد يتفرّع في تفسيراته، لينطويَ مثلاً على رفض توسيع حصة الحزب في الحكومة من خلال ممثل عن «اللقاء التشاوري»، مع العلم أنّ «حزب الله» يرفض تماماً البحث في هذه المسألة، وها هو رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية يذكر أنّ «الحزب» متمسّك بتمثيل حلفائه، ونقطة على السطر.

الأهم من ذلك، هو الهَمس الجاري حول عودة النبرة الأميركية الاعتراضية على تسمية وزير حزبي لحقيبة الصحة، فيما سمحت «الزلّة» الكلامية لوزير المال حول إعادة هيكلة الدين العام، بضمّ علي حسن خليل إلى قائمة الأسماء الوزارية المرشّحة لإعادة النقاش من باب الدعوة لتسمية وزير غير حزبي أيضاً.