ما كان منتظراً من اجتماع القمة المارونية في بكركي أكثر مما صدر، فلم يرشح "الموارنة" حكومة، ولم يشفع "بيّ الطايفة" لأبنائه، ولم ينير الصرح البطريركي قلوب اللاهثين خلف المناصب... ولن !

ثلاثة عشر بنداً لم تتجاوز حدود "التذمّر" من أزماتٍ جوهرية يعيشها لبنان، بدءً بتشكيل الحكومة وصراع الحصص الوزارية، وصولاً إلى التحديات الاقتصادية وتوتر الحدود الجنوبية.

يقول مرجع سياسي ماروني "تمخّض لقاء بكركي وولد توصيات تساوي لزوم ما لا يلزم". يقسو المرجع على الداعين والمدعوين، ويضع اللقاء في خانة الاستعراض الطائفي على أنقاض ما صنعته الأيادي المارونية في لبنان.

"من زمان وجرّ، يظن الموارنة أن عضمهم أزرق، وكلّما وُلِد لهم طفلاً يرَون فيه مشروع رئيس للجمهورية، حتى أوصلهم جنون العظمة، أو جنون الكرسي إلى ما هم عليه اليوم، من انقسام وتشرذم، وتفتت" يضيف المرجع.

ولعلّ لقاء الأربعاء الماروني، يثبّت النظرية السابقة، وبنظرة سريعة على مجريات اللقاء وتصريحات المشاركين، فصراع المتنافسَين الأبرز على كرسي بعبدا، بعد 4 سنوات، أفشل قمة بكركي، وأظهر حجم الخلاف الذي يعصف بأبناء الطائفة.

إنها لعنة الرئاسة، عرّت النوايا، وأظهرتها على حقيقتها غير المخبأة، وإن كان اللقاء حاول إحياء الدور الماروني عبر جمع 34 شخصية من أبناء الطائفة، من رؤساء الكتل النيابية ونوابهم، وجمعَ للمرة الأولى بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، بعد رفض الأخير استقبال الأول، في وقتٍ سابق، بالرغم من فرصة التعزية التي مهدت للقاء يومها. إلا أنه (اجتماع بكركي) أظهر أننا أمام خلاف ماروني ـ ماروني غير قابل للحلّ في المدى المنظور، ولا حتى بمعجزةٍ روحية قد يرعاها القديس مارمارون نفسه.

ولا يمكن تجاهل أن اللقاء كان مبتوراً، بغياب الرئيس ميشال عون، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وهما اللاعبَين الأبرز على الساحة المارونية السياسية. وأظهر الانقسام الطائفي في البلد، وعكسَ مشهداً مستفزاً لباقي الطوائف، لا سيما المسيحية منها، وكان الأحرى به أن يكون لقاءً وطنياً جامعاً. 

علماً أنه وبحسب معلومات "السياسة" تغيُّب جعجع بحجة عدم التشاور المسبق معه من جانب بكركي، إضافة إلى ما يقال بأن اللقاء كان باقتراحٍ من باسيل، لم يكن إلا تمويهاً، بينما السبب الحقيقي كان لاعتباراتٍ شخصية، مرتبطة بالنفوذ، إذ لا يرضى جعجع بأن يضع نفسه بمستوى رؤساء الكتل، والنواب، ويرفض مساواته بالمُلحَقين على القيادة المارونية، بدلاً من القادة الأصيلين.

لعنة القصر تلاحق الموارنة، وبدورهم يلاحقون أحلامهم ببسط النفوذ الذي لا يهدأ إلا على كرسي الرئاسة الأولى...!