نقرأ عن: حلفاء لسوريا في لبنان...

وحلفاء للسعودية في لبنان...

وحلفاء لإيران في لبنان...

وحلفاء للشيطان الأكبر والشيطان الأصغر في لبنان...

وهل هناك من يسأل: أين همُ حلفاءُ لبنان في لبنان..؟ «وأين هي هوية لبنان التاريخية التي تعكس كيانه الروحي العريق...» كما جاء على لسان البطريرك بشارة الراعي في لقاء بكركي النيابي الماروني، أو عن مثل قوله: ليس لإحدٍ أن يصنع للبنان هوية جديدة مغايرة لحقيقته».

نعم... بفعل ما يسمى التحالف والحلفاء بين الداخل والخارج، كانت هناك أزمات كثيرة في لبنان على مدى محطّات التاريخ، ولكن لم يكن لها هذا الإنعكاس الخطير على المبادىء الوطنية والأخلاقية وتلطيخ الشرف.

لم تهبط مراحل التاريخ العصيبة بالرجال في لبنان الى هذا المستوى من الإنحلال الوطني الذليل والحماقة العقلية، والمراهقة السياسية، حتى في أقسى ظلامة الحكم العثماني والإنتداب الفرنسي استطاع غير مسؤول لبناني في السلطة أن يتحوّل الى رجل... والى رجل لا يتلقى الأوامر.

كنَّا من قبل، نعيش تحت سيطرة الإحتلالات بفعل قوة دولية غاشمة، ونحن اليوم نعيش إحتلالات مستترة بأسماء مستعارة، بفعل سيطرة الطبقة السياسية والحزبية التي ترهن لحلفائها الخارجيين ولاءً يفوق ما هو عليه ولاؤها للوطن الأم، وبفعل ما شرّعنا من أبوابٍ لأجهزة المخابرات وللسفراء العرب والأجانب ليجعلوا من لبنان ساحة مستباحة لخيولهم الجامحة، بما فيها ذلك الحصان الذي عيّـنه أحـد الملوك المهووسين قنصلاً.

لن تكون هناك حلول حاسمة ما دام الحلفاء الخارجيون من عـرب وفُـرس وعجـم يتقاتلون فيما بينهم ويتقاتلون فيما بيننا وما دام العرب منذ قرونٍ من السنين لم يتوقفوا عن هواية اللعب بهدر الـدم، وعن الإبتهاج خداعاً بالهزائم والإنكسارات الفاشلة.

يوهموننا.. ويصـدّق الأغبياء أنّ المشكلة عندنا هي مشكلة الحكومة، ومشكلة الثلث العاطل والمعطّل، أو ذلك اللقاء التشاوري الذي أطلقوه من القمقم المسحور، مع أنّ المارد الذي ينطلق من قمقمه لا يستطيع أن يعود الى القمقم المكسور مـرّة ثانية...

الأذكياء يعلمون، أن الحكومة حتى وإنْ تألّفت ستكون حكومة الحلفاء الخارجيين لا حكومة اللبنانيين، مثلما سيكون شأن الرئاسة الأولى، بعد ذلك الإنـذار الخبيـث الذي استمرّ سنتين ونصف السنة لانتخاب الرئيس، أي أن الرئاسة الأولى في ظل هذا التمـزّق المفتعل ستكون هي أيضاً رئاسة أولئك الحلفاء الخارجيين لا رئاسة اللبنانيين، ولا المتسكِّعين عـرَجاً على أبواب الإرتزاق الرئاسي.

لماذا؟ لأننا استمتعنا كثيراً بالْتهام تلك التفاحات الرئاسية التي تحمل خطيئتنا الأصلية منذ استقلالنا الأول وسقطنا في كثير من التجارب الشيطانية التي حركت غرائزنا، فجعلتنا نتقاتل ونتصالح ونتقاتل على الطريقة العربية نفسها التي أصبح تـراكم الهزائم فيها نوعاً من الإدمان.

ولأن الوطنية عندنا أيضاً سقطت أمام عصبية الدين، فأصبح لكلِّ مذهبٍ وطـنٌ، ولكلِّ وطـنٍ شعبٌ مذهبيّ ودولةٌ وجيش وعلَم، وبدل أن نتطوّر حضارياً وصـولاً الى الإنصهار الوطني، تدَحْرجنا غرائزياً الى الإنصهار الثنائي بين الوطـن والدين، والسياسة والدين، والدولة والدين، بل الى الدولة الدينية التي لا علاقة لله بها.

وحين يصبح واقـع لبنان كالبركان المتفـجّر الذي يتطاير منه الجمـر علينا ومن فـوّهاته السياسية والرسمية، وليس هناك من ينتفـض معطّلاً بإبـرِ التخدير والدولة في غيبـوبة مع السكارى على ما يقول الشاعر:

قـدْ سَكِـرنا فأقَمْنا دولـةً وأَفَقْـنا لم نجِـدْ إلاّ الـمُداما

فلا أمـل إذاً من قيام الوطن والدولة إلاّ بحفلة سكـرٍ مجنونة بحليب السباع اللبناني ينقـضّ بها السكارى على هذا المشهد الوطني المرعب، وعلى هذا المستوى المخيف من اللاّ عقـل.

وبغير حالة هذا السكر الجنوني، لا يعود لبنان الى لبنان... ولـن يكون فيه جمهورية ودولة وحكم، إلاّ عندما يصبح المواطنون اللبنانيون حلفاء للبنان في لبنان.