ثلاثة مواقف ميزت لقاء بكركي التشاوري للموارنة هي: كلمة البطريرك الراعي التي وصفها العديد من المراجع السياسية بأنها وضعت الأصبع على الجرح، والتأكيد الماروني على الالتزام بالدستور وإتفاق الطائف وتطبيقه نصا وروحا (بحسب البيان الصادر عن اللقاء) وإختصار رئيس تيار المرده سليمان فرنجية الأزمة الحكومية بدعوته التيار الوطني الحر الى التخلي عن الثلث المعطل والتنازل عن وزير واحد بما يسهّل عملية التأليف.

في الشكل نجح البطريرك الماروني في جمع القادة الموارنة على طاولة واحدة في لقاء تصفية النيات والتشاور في الأزمات التي يواجهها لبنان سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا، أما في المضمون فقد إرتفعت المتاريس السياسية في اللقاء الذي شهد إشتباكا سياسيا بين فرنجية مدعوما من القوات اللبنانية والكتائب والمستقلين وبين التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل والنائب البرتقالي المشاكس زياد أسود، ما أدى في نهاية اللقاء الى صدور بيان تقليدي لم يقدم جديدا، لكن العلامة الفارقة فيه كانت التأكيد على ″التمسك بالطائف وعدم إستحداث أعراف جديدة فيه″.

بدا واضحا من خلال سير مداولات اللقاء أن كل فريق ماروني أتى وفق رؤية سياسية محددة، فالوزير جبران باسيل حاول تجيير بكركي ولقاءها لمصلحة دعم عهد الرئيس ميشال عون وتقويته لأن ذلك برأيه ″يصب في مصلحة كل المسيحيين وتثبيت حضورهم″، فضلا عن محاولته إنتزاع شرعية سياسية ودينية لحصول التيار الوطني الحر على الثلث المعطل داخل الحكومة معتبرا أن “هذا ليس مطلبا وإنما حق تفرضه نتاج الانتخابات النيابية ويحتاج الى معركة سياسية″..

لم يكن يخطر ببال باسيل أن الرد سيأتي عنيفا من سليمان فرنجية الذي فاجأ الجميع بموقف بمنتهى الوضوح، عندما أكد ″أننا لم نأت الى هنا لدعم الثلث المعطل لرئيس الجمهورية الذي لا يعترف بنا، مبديا خشيته من أن “يستخدم هذا الثلث ضدنا″، لافتا الانتباه الى أن ″العهد يكون قويا معنا وفينا، ولا يجوز زج رئيس الجمهورية في ملفات من هذا النوع″ وقد لاقى موقف رئيس المرده إستحسان ودعم القوات اللبنانية وحزب الكتائب والنواب الموارنة المستقلين.

لا شك في أن موقف فرنجية أفسد خطة باسيل، ولعل الهجوم الذي شنته قناة OTV على فرنجية في مقدمة نشرتها الاخبارية أمس، وإعتبارها أن ″لولا هذا الموقف لكان لقاء بكركي نجح بالمئة في المئة″، فضلا عن الحرب الافتراضية التي إشعلت مواقع التواصل الاجتماعي قد أكد بما لا يدعو الى الشك، أن ثمة إنزعاج كبير من باسيل ونواب وقيادات التيار الوطني الحر من موقف فرنجية.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث رأى متابعون أن كلمة البطريرك الراعي أيضا لم تخل من إشارات حول عدم رضاه عن حصول باسيل وتياره على الثلث المعطل، عندما تحدث عن رفض كل الاعراف المستحدثة، وذلك في إشارة الى محاولة البعض إدخال حصة رئيس الجمهورية الحكومية في صلب الدستور اللبناني.

يمكن القول إن لقاء بكركي والبيان الختامي الصادر عنه، دفع الفرقاء الموارنة الى الالتزام بكثير من المبادئ والثوابت، لكن في الوقت نفسه أدى الى توسيع الهوة السياسية بين التيارات المسيحية، وضاعف من حدة المواجهة بينهم، ما يستدعي لقاء ثانيا يُعقد سريعا لمعالجة ذيول وتداعيات ما حصل في لقاء الأمس، خصوصا أن الفتور بين المشاركين بدا واضحا منذ البداية، وخصوصا بين باسيل وفرنجية، ولعل المصافحة الباردة جدا بينهما أعطت مؤشرات الى أن الأمر لا يحتاج الى لقاء تصفية نيات، بل الى لقاء مصالحة إضافي.