بعد سنوات على الثورة السورية ونحن نشهد الإنعطافة الكبيرة نسأل: من الذي خذل الثورة السورية؟
 

أولاً: الانتفاضة الشعبية العربية...

لم يخرج الشعب السوري مُنتفضاً على نظامٍ ديكتاتوري - عسكري أشراً ولا بطراً، كان نظام الأسد (من حافظ الأب إلى بشار الأبن) قد عاث في البلاد على مدى أربعين عاماً فساداً وظلماً واستبداداً، ولم يقتصر فساده وضررهُ على سوريا فقط، بل امتدّ ذلك إلى لبنان وفلسطين.

والثورات لا تنفجر كما يقول المفكّر فواز طرابلسي إلاّ عندما لا يعودُ الحُكّام قادرين على الاستمرار في الحُكم، ولا يعود المحكومون قادرين على تحمُّل حُكّامهم، وأنّ الناس يلجأون إلى الثورة عندما يتعذّر الإصلاح أو يفشل.

خرج الشعب السوري إلى الشارع بشعارات سلمية، وعكس حجم التظاهرات واتّساعها عُمق الاحتجاجات والمطالبات بإدخال إصلاحاتٍ بُنيويّة في آليات تداول السلطة، وإنشاء الأحزاب وقيام المنتديات السياسية، وإطلاق الحريات الإعلاميّة والثقافية، فضلاً عن القيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية، وإصلاح القضاء ووقف التدابير الأمنية القمعية، قبل أن يُواجه المتظاهرون بالحديد والنار والقتل والاعتقال، ويفرض على الإنتفاضة السلمية تغيير مساراتها وعسكرتها بفضل التّدخلات الأجنبية، ومن بينها التدخلات العربية التي وقفت ضدّ النظام على أمل إسقاطه، قبل أن تُسارع إيران مع "ميليشياتها" لنجدته، والتّمهيد للحضور العسكري الروسي، الذي غلّب وجهة تركيز دعائم النظام، وإلحاق الهزيمة بالثورة وملاحقة فصائلها في حلّهم وترحالهم، على مدى أكثر من ثلاث سنوات.

إقرأ أيضًا: وهاب وإرسلان في الجاهلية .. انحلال آخر مظاهر الدولة

ثانياً: الخذلان العربي والإباء القطري..

نشهد هذه الأيام حملة خذلان عربية للثّورة السورية وأهدافها، بدأت عبر الإتصالات الأمنية مع نظام الرئيس السّيسي، ومن ثمّ زيارة الرئيس السوداني لدمشق، وإعادة بعض العلاقات الحيوية مع تونس، وكان لبنان سبّاقاً بتبادل السفراء مع دمشق، وآخرها كما يبدو إعادة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق، ويبدو أنّ هذا الانحدار على تعاظم، إذ أنّ الجامعة العربية قد تُعيد النظر في قرارها بفصل سوريا من عضوية الجامعة.

وسط هذا الخذلان العربي، يبرز هذه الأيام موقف دولة قطر بالامتناع عن إعادة العلاقات السورية-القطرية إلى سابق عهدها، والاستمرار في رفض إعطاء أيّة شرعية لنظامٍ قتل مئات الآلاف من مواطنيه، واعتقل عشرات الآلاف، وهجّر الملايين، ودمّر ممتلكاتهم وارزاقهم ، وخلّف مدُناً منكوبة، وأرضاً محروقة، وبقاعاً قاحلة بعد هجر سُكّانها.

بدل محاكمة من لم يُوفّر آلة قتلٍ وتدمير إلاّ واستعملها، يُجازى اليوم بالصفح والغفران، ويبوء الشعب بالبؤس والقهر والخذلان.