لم تخف مراجع سياسية وديبلوماسية قلقها من نتائج زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل لبيروت، وحجم القلق الذي أضافته على لائحة القضايا التي تقضّ مضاجع اللبنانيين. فالزيارة تزامنت مع جولة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في الشرق الأوسط والخليج، على وقع التطورات في الأزمة السورية والعقوبات المفروضة على ايران وحلفائها وملف الأنفاق على حدود لبنان الجنوبية. فما الذي يقود الى هذا القلق؟
 

لا يتجاهل مرجع ديبلوماسي ما يمكن ان تنتهي اليه زيارة الموفد الأميركي لبيروت من نتائج على لبنان تَحمُّل أوزارها أيّاً كان حجمها. فديفيد هيل يعرف الملف اللبناني جداً، وهو الذي أمضى اكثر من نصف حياته الديبلوماسية في بيروت متقلباً في المناصب العليا قبل ان يكون سفيراً لبلاده، ولذلك ظهر انه ما زال ومن موقعه الجديد المتقدم في الخارجية الأميركية ينظر بعين الخصوصية الى الملف اللبناني وبكثير من الدقة والمعرفة.

فهو يدرك ـ على ما يقول المرجع الدبلوماسي - اكثر من غيره انه لا يمكنه ان يزيد من حجم المطالب على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، خصوصاً عندما يتصل الأمر بدور «حزب الله» في لبنان والمنطقة وما تتسبّب به تصرفاته على أكثر من ساحة داخلية وإقليمية. وهو، أي «حزب الله»، مَن تصنّفه الادارة الاميركية «منظمة إرهابية» فيما هو ركن من اركان الدولة اللبنانية ومؤسساتها. هو حزب له كتلة نيابية وازنة تسيطر على الشارع الشيعي من خلال الثنائية التي تجمعه بحركة «أمل». وهو لم يغب منذ سنوات عن الحكومة أيضاً قبل ان ينخرط في الفترة الأخيرة في الإدارة المدنية والمؤسسات اللبنانية. ولذلك ظهر واضحاً انّ هيل، وعند مقاربته التفاصيل في الملفات التي يحملها الى لبنان، عَبّر عن تفهمه للموقف اللبناني الرسمي. وهو يدرك سلفاً انه لا يمكنه ان يحمّل الدولة اللبنانية اكثر مما تتحمّل، فالمطالب الأميركية كبيرة قياساً على قدرة لبنان على الفعل والمواجهة.

وعليه، يلخّص المرجع الديبلوماسي نتائج زيارة هيل لبيروت فيتحدث عنها بوجهين عسكري - أمني من جهة وسياسي ـ ديبلوماسي من جهة أخرى وفق التصنيف الآتي:

- الأول، يتصل بموقف إدارته من الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية والعسكرية، وقد كان واضحاً بتأكيداته المتجددة أنّ قرار بلاده ما زال عند تقديم الدعم الذي تطلبه هذه المؤسسات أياً كان حجمها. فمكتب التعاون العسكري الأميركي ـ اللبناني الذي له موقعه في وزارة الدفاع لم يوفّر جهداً في نقل مطالب الجيش والقوى الأخرى من الإدارة الأميركية، وكان وسيبقى له ما يريده. فلبنان لم يتأثر بقرارات شد الأحزمة التي اتخذتها الإدارة الأميركية بالنسبة الى المساعدات والهبات العسكرية الخارجية التي طاولت عدداً من دول العالم وجيوشها.

- الثاني، يتصل بالشقين السياسي والديبلوماسي، فقد سمع المسؤولون اللبنانيون من هيل كلاماً آخر. فهو لم يخف قلقه من الترددات السلبية للتصرفات التي يقوم بها «حزب الله» على الساحتين اللبنانية والإقليمية. ولذلك، يمكن القول ببساطة إنّ هيل كرر كثيراً مما قاله وزير خارجيته مايك بومبيو في عدد من العواصم التي زارها في المنطقة والخليج العربي، وكان افصحها وأشدها قسوة وإيلاماً تلك التي أطلقها من القاهرة ملمّحاً الى سعي بلاده لإقامة حلف عربي ودولي ضد ايران وحلفائها تسعى الى تكوينه في المؤتمر الدولي الذي سينعقد في بولندا في 13 و14 شباط المقبل، وسيشكّل في رأي الأميركيين «أكبر حشد عربي ودولي وإقليمي في وجه إيران و«حزب الله». وكلّ ذلك يضاف الى تحميل الحزب ومن خلفه الحكومة اللبنانية مسؤولية الوضع على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وما انتهت اليه عملية «درع الشمال» الإسرائيلية من تحميل مسؤولية عن خرق القرار 1701 بوجود الأنفاق العابرة للخط الأزرق. ولم تفد التوضيحات اللبنانية التي تبلّغها هيل كثيراً في تغيير موقف بلاده، وتحديداً لجهة وصفها الانفاق التي كانت قائمة قبل صدور هذا القرار عقب حرب تموز 2006.

وبناء على ما تقدّم، يضيف المرجع الديبلوماسي انّ لبنان بمختلف مراجعه السياسية والقيادية لم يفاجأ بالطرح الأميركي. فهو لم يحمل اي جديد غير متوقع. لكن ما كان ينتظره المسؤولون اللبنانيون هو أن يفهموا خلفيات القرار بسحب القوات الأميركية من سوريا وتردداته المتوقعة. فبقيت الاستنتاجات عامة وغامضة بلا تفاصيل، وما فهم انّ واشنطن، وإن أخلَت مواقعها في سوريا، فإنها تخطط لتبقي كل الضمانات لحلفائها في سوريا، ولاسيما الأكراد منهم. كما انها لم ولن تسمح بأن يستفيد النظام السوري من قرارها هذا، ولا الجانب الإيراني الذي تسعى الى تقليص وجوده الى الحدود الدنيا في سوريا على رغم ما يحمله مثل هذا التوجّه من صعوبات ستحول دونه. فالقليل من الجهد المبذول اميركياً ودولياً لا يكفي في غياب أيّ عمل عسكري مباشر.

وحول النتائج المتوقعة من قرار الإنسحاب على الدور الروسي في سوريا، لفتَ من التقى هيل الى انّ «التفاهمات مع روسيا ليست كاملة». لكنها لم ولن ترضح لمطلب موسكو الرسمي المعلن والواضح بتجيير النتائج المترتبة على انسحابها لمصلحة النظام السوري بأيّ شكل من الأشكال.

وينهي المرجع الديبلوماسي قراءته لزيارة هيل، فيشير بقلق الى انه على رغم المخاطر الناجمة من التوجهات الأميركية القاسية في المنطقة ولبنان فإنّ اللبنانيين مستمرون في لعبة إمرار الوقت في ظل العجز المتمادي للسلطة والقدرات المحدودة. فما عبّروا عنه من فشل في ترتيب البيت الداخلي وتشكيل الحكومة الجديدة وطريقة تعاطي بعضهم مع القمة العربية التنموية لا يوحي بأنّ زيارة هيل ستغيّر من سلوك اللبنانيين، الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.