تعليقاً على ما جرى مع النائب الأستاذة رلى الطبش، وعلى مقال الصديق سجعان قزي في هذا الخصوص، رأيتُ أن أقدّمَ للقرّاء هذه النبذة عن حدثٍ شهدته العاصمة الجديدة لمصر منذ أسبوع، وذلك دحضاً للتعصّب المرادف للجهل والظلام وضعف الإيمان.

لقد تمّ في ساعة واحدة، تدشين مسجد الفتّاح العليم، وكنيسة ميلاد المسيح، في العاصمة الإدارية الجديدة لجمهورية مصر العربية، ولقد تابعتُ باهتمام وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى المسجد الجديد، حيث كان في انتظاره قداسة البابا تواضروس، بطريرك الكرازة المرقصية، فاستقبله في البهو الكبير بكلمة رقيقة، مرحِّباً به، ومشيداً بهذا الصرح المعماري الأمين للطُرز المصرية العريقة، وهو يتّسع لسبعة عشر ألف مصلٍّ، وهو يُعَدَّ أكبر مسجد في القطر المصري.

وما أن انتهت مراسمُ الافتتاح، حتى انتقل الموكبُ إلى كنيسة ميلاد السيد المسيح التي تبعد حوالى عشرة كيلومترات عن المسجد، حيث استقبله داخل الكنيسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور احمد الطيب الذي ألقى خطاباً ترحيبياً منوِّهاً بجمال البناء ورحابته كأكبر كنيسة في مصر وتتّسع لحوالى تسعة آلاف مصلٍّ.

وخلافاً لما كان سائداً عن عدم قانونيته إنشاء الكنائس في مصر بحسب الخط الهمايوني العثماني، أكد الإمام الأكبر أنّ كنائس مصر كلها بُنيت في عهود الحكم الإسلامي، وأنّ الدين يأمرنا بتسهيل بناء الكنائس والمعابد، كما هنّأ البابا تاوضروس والمسيحيين بعيد الميلاد المجيد.

وتجدر الإشارة، إلى أنّ مبنى الكنيسة المرقسية في العباسية، وهو مقرّ البابوية قد بني في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي افتتحه مع البابا كيرلس السادس بحضور امبراطور الحبشة هيلاسيلاسي، ولم يقف يومها عند الخط الهمايوني الذي أُعيد استنساخُه في عهد الرئيس أنور السادات بعد خلافه العميق مع البابا شنودة الثالث الذي رفض تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فعزله من منصبه ونفاه إلى دير وادي النطرون.

قبل بدء قداس عيد الميلاد، اعتلى الرئيس السيسي المنصة برقفة قداسة البابا، وهنّأ الجميع بالعيد، ثمّ التفت اليه وقال: «يا قداسة البابا، عندما شنّ الإرهابيون هجومَهم المجرم على الكنيسة، وَقَفْتَ وقلتَ ما لا ينساه أحد: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن». وها نحن اليوم نبني المساجد والكنائس والوطن.

استعرضتُ وقائع هذه المناسبة منوِّهاً بما يدور في أكبرِ دولةٍ إسلاميةٍ عربيّة لم يكفَّ الإرهابُ الظلامي عن استهدافها، فتجبهه بالعزيمة والتضامن، ومستشهِداً بأكبرِ مرجعٍ إسلاميّ أيّ الإمام الأكبر، وبمرجعِ أكبرِ طائفةٍ مسيحيةٍ عربية، لأقول، إنّ تبادل التهاني واجب، والاحتفال بعيد الميلاد هو حفاوة ببشارة الله لمريم التي وهبها ربّها غلاماً ذكياً قال في المهد وهو صبي: «السلام عليَّ يوم وُلَدْتُ ويومَ أَموتُ ويوم أبعثُ حيًّا».