هواجس بكركي باتت مضاعَفة بعد تعطيل تشكيل الحكومة، وهي هواجس لا تقتصر على الفراغ الحكومي، بل تتخطاه لتصلَ الى حدِّ التخوّف من الفوضى التي قد يليها حكماً المَسّ بالنظام السياسي والحضور المسيحي ككل، وهذا يتقاطع ايضاً مع هواجس رئاسية، فالرئيس ميشال عون لمَس في الكباش حول تشكيل الحكومة، وجود سعي لتغيير الأعراف، وهي اللغة الدبلوماسية للتعبير عن الخشية من قضم صلاحيات الرئاسة.
 

هذا ما تقوله اوساط سياسية مطلعة على موقف الكنيسة، التي تحركت بما يشبه حال الطوارئ قبل زيارة البطريرك بشارة الراعي للولايات المتحدة الاميركية حيث ستكون له لقاءات مع الجالية اللبنانية ومع مسؤولين في الإدارة الأميركية.

وتتلخص فكرة اللقاء المسيحي في بكركي بمحاولة الدفع الى تشكيل الحكومة اولاً كمدخل الى قطع الطريق على الفوضى، ويتخوّف البطريرك الراعي من أن يدفع المسيحيون الثمن الكبير اذا ما اهتزّ النظام السياسي القائم على دستور اتفاق الطائف، في ظلّ شكوك لدى الكنيسة بأنّ تعطيل تشكيل الحكومة ربما يكون هدفه اثبات عقم هذا النظام، وفي ظلّ شكوك أعمق بأنّ التعطيل لا يرتبط فقط بأسباب داخلية بل بفيتو اقليمي يمنع تشكيل الحكومة.

وتشير الأوساط الى أنّ فكرة اللقاء بحثت بتفاصيلها حيث استقرّت صيغة الدعوات على صيغة خماسية ستضم الأحزاب المسيحية الممثلة برلمانياً، وهي التيار الوطني والقوات اللبنانية والكتائب وتيار المردة وحركة الاستقلال، وهذه الصيغة كانت حتى الامس ثابتة باعتبارها تشمل التمثيل النيابي للمسيحيين، لكنّ اعتراضاتٍ من قوى مسيحية اخرى وشخصيات أدّت للبحث في توسيع المشاركة، هذا التوسيع الذي تبحث دوائر بكركي طبيعته، على أن يتمّ تحديدُ اللقاء على الارجح خلال ايام أي قبل سفر البطريرك الراعي لأميركا، إذ من المفترض أن يحمل معه نتائج اللقاء كورقة تساعد في طرح الملف اللبناني مع المسؤولين الأميركيين.

وتكشف الأوساط انّ موافقة مبدئية تلقتها دوائر الكنيسة من التيار الوطني الحر، الذي يعتبر أنّ اللقاء المسيحي في بكركي سيصبّ في خانة دعم الرئيس ميشال عون في تشكيل الحكومة بشروط تؤمن المشاركة المسيحية، كما انّ حزب الكتائب اكد مشاركته، وكذلك القوات اللبنانية التي لا تمانع بمبدأ عقد اللقاء، فيما ينتظر جواب تيار المردة حول ما إذا كان الوزير سليمان فرنجية سيحضر أم سيبدي تحفّظاً بالنسبة لمبدأ اللقاء والمشاركين فيه.

وتشير الاوساط الى انّ فكرة البطريرك تتمحور حول خلق أجندة عمل مسيحية، تشكّل دعماً للدستور والمؤسسات، وهو يريد من خلال زيارته الاميركية أن يعزّز هذه الصورة في اطار طلب الدعم للبنان ودستوره ومؤسساته، لاسيما والتعطيل في تشكيل الحكومة يكاد بنظر البطريرك الراعي يؤدي الى ما لا يريد الوصول اليه، اي الى المَسّ بالنظام، وهو امر يُخشى أن يدفع ثمنه المسيحيون اولاً، فثنائي «حزب الله « وأمل غير متضرّر من الجلوس الى طاولة اعادة النظر بالدستور، والطائفة السنّية قد يلحق بها ضررٌ محدود، اما المسيحيون فهم سيكونون امام بحث بكل ما يتعلق بدورهم وموقعهم، والامر لا يقتصر على الانتقال من المناصفة الى المثالثة، بل الى ما هو أبعد من ذلك.

وتكشف الاوساط انّ فكرة اللقاء التي كشف عنها النائب ميشال معوض من بكركي، تمّ الإعداد لها بتكتم، وبموازاة التحضير المستمر لعقد اللقاء استمزج البطريرك الراعي آراء كثيرة، منها ما نصحه بعدم اقتصار اللقاء على الحضور المسيحي بل أن يضمّ ممثلين عن كل الطوائف، باعتبار أزمة الإطاحة بالدستور هي أزمة وطنية لا مسيحية، وبالتالي إيصال الدستور الى حتمية التعديل سيؤدي الى ضرر يطال الجميع لا المسيحيين فقط.

قد يكون من المفيد ترقُّب ماذا سينتج عن اللقاء إذا نجحت الكنيسة في عقده، لكنّ الأهم معرفة ما إذا تأخرت الكنيسة بالمبادرة، على وقع أزمة النظام الذي يُراد نسفه، وفي هذا الإطار يُفترض التوقف عند نتائج زيارة وفد «حزب الله» لبكركي الذي زاد على الشكوك شكوكاً، والذي لم ينجح بتطمين الهواجس من هدف التعطيل ومن الجرعة الزائدة في الأسباب الإقليمية والداخلية التي تصبّ في هدف واحد.

تعطيل الحكومة يكاد بنظر البطريرك الراعي يؤدي الى المَسّ بالنظام، وهو أمر يخشى أن يدفع ثمنه المسيحيون.