قرار إيراني بجعل الاتفاقيات التي تم إبرامها بين عمان وبغداد مؤخرا وتلك التي تم التوصل إليها في الماضي مجرد حبر على ورق.
 
برزت في الأيام الأخيرة مؤشرات تنذر بامكانية انتكاسة العلاقات الأردنية العراقية، في ظل عدم ارتياح أطراف إقليمية للتحسن المسجل على خط بغداد عمان، والذي ترجم في الزيارات المتبادلة بين الطرفين آخرها زيارة رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز إلى بغداد في 27 ديسمبر الماضي وتوقيعه على حزمة اتفاقيات اقتصادية بينها إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الحدودية، وتسريع مد أنبوب النفط بين البصرة (جنوب العراق) والعقبة (جنوب الأردن).
 
وتقول دوائر سياسية إن التقارب الذي تسارعت وتيرته في الأشهر الأخيرة بين البلدين الجارين من شأنه أن ينعكس إيجابا على الأوضاع الاقتصادية للطرفين، ويسرع عودة العراق إلى محيطه العربي، وهذا الأمر لا يروق لإيران على وجه الخصوص التي تتسم علاقتها بالمملكة الأردنية بالتذبذب نتيجة رفض الأخيرة لسياسات طهران العدائية وطموحاتها التوسعية في المنطقة.
 
ويغلب التوتر على العلاقات الأردنية الإيرانية على مدى العقود الماضية، وشهدت في أحيان كثيرة قطعا للعلاقات الدبلوماسية بينهما وآخرها في يونيو 2018 حين أعلنت الحكومة الأردنية برئاسة هاني الملقي آنذاك عن قرارها سحب سفيرها من طهران على خلفية تدخلات الأخيرة في الشؤون الداخلية للدول العربية.
 
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أشاد خلال زيارة أداها للأردن الثلاثاء الماضي في مستهل جولة له في المنطقة بدور الأردن في التصدي لجهود إيران خرق العقوبات الأميركية المفروضة عليها، وبقراره سحب سفيره من طهران.
 
وتعول إيران على القوى السياسية والمسلحة التي تدور في فلكها في العراق لفرملة التقارب الأردني العراقي، وهذا ما بدا واضحا من خلال إشاعة أنباء عن فرض الأردن قيودا على سفر العراقيين إلى أراضيه.
 
وتزعم هذه الأخبار التي تم ترويجها على نطاق واسع في وسائل الإعلام العراقية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بأن عمان أصدرت قرارا يقضى بعدم السماح بدخول العراقيين التي تحمل جوازاتهم أختام دخول لإيران.
 
ونفى وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي خلال اتصال هاتفي الأربعاء مع نظيره العراقي محمد علي الكريم صحة هذه الأنباء، مؤكدا على العلاقات الوثيقة بين البلدين “وعلى ترحيب المملكة الأردنية بالأخوة العراقيين دائما في بلدهم الثاني”.
 
وكان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأردني ماجد القطارنة، قد أكد في وقت سابق “أن ما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول منع السلطات الأردنية المواطنين العراقيين ممن يحملون سمات دخول إيرانية على جوازات السفر الخاصة بهم من الدخول للمملكة، عار عن الصحة، وأن هذا الخبر لا أساس له، والأردن لا يضع أي قيود على الأشقاء العراقيين”.
 
وترى الدوائر السياسية أن هناك قرارا إيرانيا واضحا بجعل الاتفاقيات التي تم إبرامها بين عمان وبغداد مؤخرا وتلك التي تم التوصل إليها في الماضي مجرد حبر على ورق، وهي تستند في ذلك على القوى العراقية الحليفة لها والتي تتصدر حاليا المشهد العراقي.
 
وتستبعد الدوائر على ضوء ذلك أن ترى المشاريع الكبرى التي سبق وأن اتفق على تسريع العمل بها النور قريبا كالبدء في إنشاء منطقة صناعية حرة على الحدود العراقية الأردنية أو مد أنبوب النفط الذي كان تم التوصل إلى اتفاق بشأنه منذ العام 2013.ومن شأن المنطقة الصناعية الحرة أن تساهم في تعزيز المبادلات التجارية بين البلدين التي بقيت دون المستوى المطلوب، بالرغم من إعادة فتح معبر طريبيل بين البلدين في العام 2017، والذي ينظر كثيرون إلى أن دوافعه سياسية.
 
أما مشروع أنبوب النفط الذي وقع الأردن والعراق في أبريل 2013 اتفاق إطار بشأنه، بكلفة 18 مليار دولار، وسعة مليون برميل يوميا، فهو ورغم الوعود العراقية خلال زيارة الرزاز ببدء تنفيذه بيد أنه لا بوادر على أرض الواقع تشي بذلك رغم فوائده الكثيرة على العراق.
 
ومن مميزات أنبوب (البصرة-العقبة) أنه يمنح العراق الذي يملك ثالث أكبر احتياطي نفطي مرونة أكبر في تصدير هذا الخام، خاصة وأنه يسعى لزيادة الإنتاج.
 
وفي المقابل فإن عمان التي تعاني من أزمة طاقية، تأمل في أن يؤمن لها هذا الأنبوب احتياجاتها من النفط وجزءا من احتياجاتها من الغاز الطبيعي الذي تواجه مشكلة كبيرة في استيراده من دول أخرى، لأسباب سياسية (إسرائيل) أو من حيث الكلفة.

ورغم أهمية إنشاء هذا الأنبوب في تنويع مصادر تصدير العراق لنفطه، بيد أن ارتهان القرار العراقي بيد إيران يجعل من الصعب تطبيقه، على الأقل على المدى المنظور.

ويعي الأردن حجم التأثير الكبير لإيران على دوائر صنع القرار العراقي ويحاول أن يبدو متفهما للتباطؤ المسجل على مستوى تنفيذ الاتفاقيات الكبرى على وجه الخصوص بيد أن ذلك لا يعني قبوله بهذا الوضع، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها، والتي تجعله في أمسّ الحاجة لتفعيل تلك الاتفاقيات.

ويرجح مراقبون أن يكون هذا السبب خلف إعادة طرح الأردن بقوة مسألة الديون المتخلدة بذمة العراق. ونقلت وسائل إعلام أردنية مؤخرا عن مسؤول في وزارة المالية الأردنية قوله إن “الملف المالي بين الأردن والعراق مازال عالقا”، مشيرا إلى أن “هناك مطالبات مالية لكل طرف على الآخر منذ 2003، لم تتم تسويتها حتى الآن”. وأضاف المسؤول أن “المطالبات الأردنية تتضمن ديونا للبنك المركزي على نظيره العراقي بأكثر من مليار دولار”.

وفيما بدا ردا على الأردن قال مقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي هوشيار عبدالله، إن “البيانات المتوافرة تشير إلى أن للعراق ما بين 3 و5 مليارات دولار مودعة في الأردن منذ زمن صدام (الرئيس الراحل صدام حسين)، ولا توجد مكاشفة أردنية حقيقية”.

وأضاف عبدالله “أعتقد أنه حان الوقت لفتح ملف الأموال والمستحقات التي لنا أو علينا مع الأردن، وهناك مسؤوليات على كلا الطرفين”، لافتا إلى أنه “حتى الآن لا يوجد تحرك جدي من بغداد نحو الأموال العراقية الموجودة في الأردن، وهناك في الوقت نفسه أرقام على العراق كدين للأردن أيضا، ليس هناك حسم بشأنه، وبالتالي من المهم أن يكون هناك تحريك للملف من الجانبين أو على الأقل مكاشفة لاسترجاع كل طرف حقه”.

والأموال التي يتحدث عنها مقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي هي تلك الأموال التي تم تجميدها إثر فرض الحصار على العراق في أعقاب غزو الكويت.

وكان الجانبان قد اتفقا خلال زيارة الرزاز لبغداد على تشكيل لجنة مالية قانونية لوضع حلول للملفات المالية العالقة بينهما.