لن يكون مستغرباً اذا ما انتفض اللبنانيون ضدَّ المستهترين بهم وبلبنانهم. لقد ملّوا هذه الألاعيب والحكايات. وضد مصلحة الوطن والمواطنين. بل كأنما لا اهتمام عند المعطّلين تجاه أي وضع، أو أي حال. المهم أن ينفّذوا أمراً يعود بالخراب والتعتير على لبنان واللبنانيّين. بل كما لو أن العودة السنوية، أو الشهريَّة، الى تعطيل الدولة المهملة السائبة لا يعني للمعطِّلين أكثر من وسيلة في خدمة غاية أخرى، أو لآخرين.

مرة، مرتين، ثلاث مرات، لسنوات وأشهر، ما من صوت يُعلن اعتراضاً على هذا الاسلوب الاستهتاري التخريبي، الذي لم يألف مثله أو شبيهاً له بلد من البلدان المحيطة به أو حتى أبعد البعيدين.

أَمَا من معترضٍ، أَمَا من محتجِّ، أَمَا من مرجع مسؤول كبير يضرب كفه على الطاولة صارخاً بغضب لا وألف لا. الى هنا وبس.

حقاً، ليس مفاجئاً أو مستغرباً أن يعلن اللبنانيون بالآلاف غضبتهم ونقمتهم على استهتار المسؤولين في كل الحقول، وفشل السلطة على مختلف الصعد، وعدم القيام بالواجبات والمسؤوليات البديهية، والتي ينبغي توافرها تلقائياً للساعات والحالات الحرجة.

إن كارثة “نورما”، أو كوارثها المنتشرة في أرجاء لبنان، لا توازي كوارث وأضرار عدم “السماح” بتأليف الحكومة منذ ثمانية أشهر.

كان السؤال في السابق: أي لبنان نريد، أو يريد المتأففون والمعرقلون؟

اليوم بتنا نسأل: لبنان الى أين؟

بل ماذا يعدون، في خطط التأجيل والمماطلة، لهذا اللبنان الذي بات حقاً في حاجة ماسة وملحة الى عملية انقاذ شاملة. فالسكوت على هذا الاهمال، وعدم رفع صوت الاعتراض والغضب قد يوصل هذا اللبنان الى “مفاجعات” ليست لا على بال ولا في خاطر.

جميعكم تعلمون ما هي الحكاية، ولأيَّة أسباب وحاجات يضعون العصي في دواليب حركة التأليف، ويفرضون التعقيدات وتعيين الوزراء في مناصب معينة، وبطرق ليس من السهل على الرئيس سعد الحريري السكوت عنها، مثلما ليس بمقدور لبنان ابتلاعها.

وحين نذكِّرهم بحجم الأَضرار، والمصائب التي ولَّدتها أساليب عرقلة التأليف، والمماطلات، واختراع الأسباب التعقيديَّة، لا يتأثرون، ولا يبالون، ولا يعيرون هذا الأمر أي أهميَّة. واضحٌ وضوح الشمس أن في الأمر غاية ما. وقد بدأت الأحاديث على كل صعيد، وخصوصاً بعدما ظهر جلياً أن فريقاً معيناً لديه موّال جديد ينوي أن يغنّيه على مستوى اتفاق الطائف، ودستور الطائف، وواقع الحال، كما يروي المحللون.

ليس من اليوم، ومن هذه الأزمة التأليفيّة، انما منذ مفاجأة أو مفاجعة الفراغ الرئاسي الذي استمر سنتين ونصف الثالثة، وما تلاه على الصعيد الحكومي، وما تجدّد أو تكرّر بالنسبة الى مشروع تأليف حكومة سعد الحريري، أو “حكومة العهد الأولى”.

وتمديد هذه الأزمة بالذات لا يحتاج هدفه الى عرّافات دلفي. بل هل يكاد يعلن دوره بنفسه.

محزنٌ، مؤلمٌ، مقهرٌ، معاملة لبنان بهذا الاستهتار.