تصدر ملف الانسحاب العسكري الأميركي من الشرق السوري وإعادة الانتشار في العراق، المباحثات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي قام، الأربعاء، بزيارة مفاجئة إلى بغداد التقى خلالها برئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ووزير الخارجية محمد الحكيم ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي والرئيس برهم صالح.
 
وقالت مصادر سياسية في بغداد إن “الخارجية الأميركية تحاول أن تكون قريبة من أجواء النقاشات المستمرة بين بغداد ودمشق، بشأن الانسحاب الأميركي من الشرق السوري”، وأن بومبيو عمل على طمأنة المسؤولين العراقيين بشأن حجم الوجود الأميركي.
 
وأكدت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن “بومبيو حضر إلى بغداد لشرح المقاربة الأميركية العسكرية الجديدة، التي تقوم على واقع أن أي انسحاب أميركي من سوريا، يتطلب توسيع الانتشار العسكري الأميركي في العراق”

وينقسم مسؤولو البيت الأبيض بشأن صواب قرار الانسحاب من سوريا، فيما يواصل العسكريون والدبلوماسيون “سياسة الترقيع″ في المنطقة لإيجاد مخرج.

وتضيف المصادر أن “الحكومة العراقية تتعرض لضغط إيراني هائل، يستهدف دفعها إلى رفض خطط الانتشار الطارئة التي تطبقها الولايات المتحدة في العراق، المرتبطة أساسا بقرار الانسحاب الأميركي من سوريا”.

وتأتي هذه الزيارة بعد حوالي أسبوعين على زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العراق لتفقد قوات بلاده من غير أن يلتقي أي مسؤولين عراقيين ما أثار انتقادات واسعة خاصة من حلفاء إيران الذين قالوا إنها تنتهك سيادة العراق، وطالبوا بأن تغادر القوات الأميركية البلاد.

وذكر بيان لوزارة الخارجية الأميركية أن بومبيو أكد في لقائه مع عبدالمهدي “على التزام الولايات المتحدة بدعم سيادة العراق”، وكذلك “الدعم الأميركي لاستقلال العراق في مجال الطاقة” في إشارة إلى اعتماد بغداد على الغاز الإيراني في توليد الكهرباء بشكل كبير.

ورد الرئيس العراقي برهم صالح على سؤال من أحد الصحافيين عما إذا كان يريد إبقاء قوات أميركية في البلاد قائلا “إن العراق سيحتاج للدعم الأميركي”، وعبر عن امتنانه لواشنطن على دعمها على مرّ السنين.

وتحت ضغوط إيران وحلفائها، اضطر رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، الثلاثاء، إلى تكذيب معلومات تشير إلى أن الولايات المتحدة “ستؤسس قواعد جديدة في العراق من أجل جنودها المنسحبين من سوريا”.

وقال عبدالمهدي، خلال إيجازه الصحافي الأسبوعي، “ليست هناك أي معلومات وصلتني حول رغبة الولايات المتحدة الأميركية بتأسيس قواعد جديدة في العراق”. وزاد أن “الأمر على العكس تماما.. عدد الجنود الأجانب بمن فيهم الأميركيون ينخفض يوما بعد يوم”.

لكن وقائع على الأرض تناقض ما ذهب إليه رئيس الوزراء العراقي، إذ يؤكد جنرالات في الجيش العراقي أن جنودا أميركيين قادمين من سوريا استقروا في قواعد عسكرية داخل الأراضي العراقية، ولا سيما في الأنبار وصلاح الدين وأربيل، فيما توجّه آخرون نحو الكويت.

ورصدت كاميرات صحافيين معدات عسكرية ثقيلة نقلها الأميركيون من شرق سوريا إلى غرب العراق.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن الولايات المتحدة تواجه صعوبات في الانسحاب من سوريا، موضحا أن بلاده تبحث في الوقت الراهن كيفية تنسيق عملية انسحاب الولايات المتحدة من سوريا.

وبيّن أن التنسيق بشأن انسحاب القوات الأميركية من سوريا جرى تناوله خلال زيارة مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي جون بولتون، ورئيس الأركان الأميركي جوزيف دانفورد، والمبعوث الأميركي الخاص إلى التحالف الدولي لمكافحة تنظيم “داعش” جيمس جيفري، إلى أنقرة.

وأكّد جاويش أوغلو أن هناك مساعي من قبل بعض الدول لدفع الولايات المتحدة إلى التراجع عن قرار الانسحاب.

وتؤكد المصادر العراقية أن “الولايات المتحدة ماضية في خططها بتوسيع انتشارها العسكري في العراق”، بالرغم من بعض الاعتراضات العراقية والضغوط الإيرانية.

ووفقا لمصادر سياسية تحدثت مع “العرب” في بغداد، فإن “مناقشات فالح الفياض، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء العراقي إلى الرئيس السوري بشار الأسد، تضمنت مناقشة خيار إشراك ميليشيا الحشد الشعبي في عملية تأمين الحدود العراقية السورية.

وتؤكد المصادر أن الولايات المتحدة تعزز مساحة تأثيرها العسكري في العراق لتشمل مراقبة عمليات الربط التي تجريها أطراف في الحشد الشعبي بين إيران والأراضي السورية، مرورا بمناطق غرب العراق.
 
وهذا ما يفسر أسباب الضجة التي تقودها أحزاب عراقية موالية لإيران بشأن الوجود العسكري الأميركي في العراق.
 
ومنذ أسابيع، تتجادل أطراف عراقية بشأن المسؤولية عن عودة الوجود العسكري الأميركي إلى العراق بقوة، بعدما انسحبت الولايات المتحدة من هذا البلد في 2011.
 
ووجهت اتهامات عديدة لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، بالمسؤولية عن السماح للولايات المتحدة بزيادة عدد جنودها في العراق.
 
لكن ائتلاف النصر، الذي يتزعمه العبادي، رد على هذه الاتهامات قائلا إن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي هو الذي أعاد الأميركيين إلى العراق، على الرغم من أنه فاوضهم لنحو ثلاثة أعوام كي يخرجوا من البلاد.
 
وقال ائتلاف العبادي إن القوات الأميركية “تم استدعاؤها في 24 يوليو 2014، من قبل حكومة المالكي، إثر دخول داعش، كما هو مثبت في وثائق الأمم المتحدة والوثائق المتبادلة بين الدولتين، مستندة في ذلك إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة”.
 
وأضاف الائتلاف أن “العبادي حين نال ثقة مجلس النواب بتاريخ 8 سبتمبر 2014، كانت القوات الأميركية متواجدة في العراق قبل استلامه مسؤولية رئاسة الوزراء بأكثر من شهرين”، مشيرا إلى أنه “هو الذي جعلها قوات متعددة وليست قوات أميركية فقط”.