الفساد في لبنان ليس حديث العهد أو وليد الساعة إنما يعود بجذوره الى مراحل مضت من تاريخ لبنان
 

في ظل واقع سياسي صعب تحكمه أحزاب وطوائف ومصالح فئوية متناقضة في طروحاتها ومقاربتها للأمور، قد لا يختلف اثنان على ان ظاهرة الفساد في لبنان، كانت نتيجة لهذا الواقع المتأزم سياسيًا وغير المستقر على صعيد الحكم والإدارة، فكان من الطبيعي أن تأخذ الأمور هذا المنحى السيئ في نتائجها لتصل ربما الى مرحلة يصعب معها اعادة الوضع الى طبيعته أو العيش في ظل الدولة القانونية التي لها كل مقومات وركائز الدولة القوية والقادرة والفاعلة.

فالفساد في لبنان ليس حديث العهد أو وليد الساعة إنما يعود بجذوره الى مراحل مضت من تاريخ لبنان، إنما كان ذلك بأشكال مختلفة ومتنوعة، وقد أصبحنا اليوم أمام ظاهرة غير طبيعية، لها منحى الفساد الوقح الذي اصاب كل مفاصل الدولة الحيوية وانعكس سلبًا على بنيان الاقتصاد الوطني وهيكليته وشكل بالوقت نفسه جرحًا نازفًا في خزينة الدولة، ما قد ينذر بأشد العواقب سوءاً فيما لو لم يجر العمل سريعًا على معالجته بخطوات عملية مسؤولة تضع النقاط على الحروف وبقرار سياسي حاسم، بعيدًا عن اي اعتبارات أو مصالح فئوية أو ذاتية.

إقرأ أيضًا: شباب لبنان ضحيّة للفساد والسرقة!

فالفساد في لبنان كان ولا يزال علة العلل وشكل العامود الفقري لاهتراء الدولة وتآكل بنيانها، إقتصادياً كان أم إجتماعياً، سواء على المستوى الاداري الضيق أو على مستوى مكامن الهدر فيها من صفقات ومحسوبيات وتلزيمات لا تراعي الأنظمة المرعية والاحكام القانونية، والذي شكل بطبيعة الحال مكمنًا قاتلاً لخزينة الدولة اللبنانية ومواردها ورتب بالوقت نفسه ديونًا تراكمية بالمليارات تحتاج الى قدرة قادر للتخلص من أعبائها، وهذا ما شكل معه نموذجًا سيئًا لواقع مهترئ تحكمه أولويات المصالح الشخصية والمحسوبيات وتفحّ منه روائح السمسرة والصفقات والتلزيمات المشبوهة.

ومن هذا المنطلق عبثًا نتكلم عن دولة القانون في ظل واقع مهترىء متشعب المصالح ومتناقض الخيارات ليصبح الفساد في ظلها واقع مشرعن ومحمي إلى حد ما ويدور في فلك الاستهتار الوقح بفكرة الدولة انطلاقًا من مقولة “الرزق السايب بعلم الناس الحرام…” 

كما وأنه ومن جهة أخرى، وبحسب منظمة الشفافية الدولية فإن تفشي ظاهرة الفساد في لبنان يعود الى فقدان الثقة في النظام اللبناني والى عدم التمكن من بسط سلطة القانون، ما أدى الى أضعاف الاستثمارات الأجنبية خصوصًا انه لاتوجد أي سياسات اقتصادية عملانية تعتمدها الحكومات المتعاقبة لمكافحة ظاهرة الفساد وتشجيع الاستثمارات، هذا فضلاً عن كون السياسات المتبعة في إرساء المناقصات تعتمد مبدأ التمييز والمحاصصة للشركات المحسوبة على هذا أو ذاك، أو التي تدفع رشوة، وليس التي تقدم العروض الأفضل لمالية الدولة.

إقرأ أيضًا: بين المجد والحرمان ... شباب بعلبك الهرمل يعيشون على آمال ووعود الثنائي الواهمة!

أضف أنه ووفقاً لمؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية العام ٢٠١٦ المعنية بمكافحة الفساد، يأتي لبنان في المرتبة ١٣٦على قائمة ١٧٥ دولة، وفِي المرتبة ١٣ من اصل ١٩ دولة في المنطقة العربية، مما يدل على ان نسبة الفساد مرتفعة فيه وبمستويات كبيرة.

فالنظام السياسي في لبنان يحتكره واقع الفساد السياسي الذي أدّى الى إضعاف فاعلية الدولة وقدرتها على المحاسبة والمساءلة، وعدم كفاءة اجهزتها من ناحية ثانية في التصدي لهذه الظاهرة، وكل ذلك بسبب ضعف حالة الدولة وترهل أجهزتها ومؤسساتها الرقابية واختراق تلك المؤسسات من جهات تعمل لمصالحها الخاصة وعلى حساب المصالح العامة، هذا بالاضافة الى ضعف الثقافة المؤسسية وغياب تام للمجتمع المدني الذي له القدرة على المساءلة والمحاسبة مع هيمنة واضحة بالوقت نفسه للبنى التقليدية مع كل ما تتطلبه من تضامنات عشائرية أو مناطقية أو طائفية، وكل ذلك في ظل ضعف الإنتماء الوطني والهوية الوطنية وسهولة الإنجرار لخدمة المصالح الشخصية على حساب المصالح العامة، ما ولّد معه حالة غير طبيعية يصعب معها التعامل مع فكرة الدولة القانونية، ما شكّل تناقضاً في المفاهيم الإجتماعية لأسس بناء الدولة وساهم بشكل أو بآخر بزيادة الأوضاع سوءاً وتأزّماً.