انصرف الاهتمام السياسي على التركيز على ربط تشكيل الحكومة بعقد القمة الاقتصادية – التنموية العربية في بيروت في العشرين من الشهر الحالي، والمفاضلة بين اولوية تشكيل الحكومة وبين دعوة سوريا رسميا الى حضور القمة، بعد الانفتاح العربي عليها عبر زيارات عدد من الرؤساء العرب واعادة افتتاح او تفعيل عدد من السفارات العربية في دمشق. لكن بقي جانب من الاهتمام محدودا في موضوع حيوي ومهم يتعلق بدعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى عقد جلسات لحكومة تصريف الاعمال من اجل بحث وإقرار موازنة العام 2019، لوقف النزف المالي وضبط الانفاق وانتظام الوضع المالي والنقدي.

واذا كان الرئيس بري قد استند الى سابقة حكومة الرئيس الراحل الشهيد رشيد كرامي عام 1979 بعقد جلسات للموازنة واقرارها، فإن الجانب السياسي والحسابات المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة طغت هنا على الجانب الدستوري والجانب المالي المُلِحّ، بحيث بات البعض يخشى ان يؤدي تفعيل حكومة تصريف الاعمال الى صرف الاهتمام عن تشكيل الحكومة، وهو امر يرفضه رئيس الجمهورية ويتريث حياله الرئيس المكلف سعد الحريري، الواقع بين ناري ضرورة تشكيل الحكومة وفي الوقت ذاته ضرورة اقرار الموازنة وضبط الانفاق.

وتتحدث مصادر وزارة المالية عن اهمية عقد جلسات للحكومة لبحث واقرار الموازنة العامة، وهي باتت شبه جاهزة تقريبا، لهدف اساسي اول وهو وقف العمل بالصرف على القاعدة الاثني عشرية الذي يفترض قانونا ان يتم في الشهر الاول من السنة المالية فقط وليس كل اشهر السنة، فكيف والحال قد امتد اشهرا طويلة واحيانا سنوات؟ عدا عن ان وزارة المال تسعى لضبط الانفاق العام الذي تجاوز موازنة العام الماضي، وبالتالي لم يعد ممكنا صرف المبالغ ذاتها وفق القاعدة الاثني عشرية، لأن اي انفاق اضافي بحاجة لتغطية قانونية سواء عبر مراسيم من الحكومة او قوانين في مجلس النواب، وهذا امر غير متاح حاليا ولا يكون متاحا دائما، لذلك فوضع موازنة من ضمن جلسات الضرورة بات حاجة ملحة.

وتضيف مصادر وزارة المالية: ان اقرار الموازنة بات ضروريا بعد تأخر تشكيل الحكومة وعدم وجود افق لتشكيلها قريبا، وتتساءل: هل نبقى ننتظر تشكيل الحكومة بينما المخالفات المالية قائمة والانفاق زاد عن حده، والحاجة ملحة لضبط الانفاق ولتحديد الاولويات واعادة الانتظام الى لوضع المالي، عدا عن الحاجة الى اتخاذ العديد من القرارات المالية المهمة بالتوازي مع حاجات البلاد ومع متطلبات مؤتمر «سيدر» الفرنسي الاقتصادي، الذي نصّ من قراراته على اهمية ضبط الانفاق وانتظام الوضع المالي. وتحقيق اصلاحات مالية لا يمكن ان تتم من دون وضع موازنة شفافة ودقيقة تراعي كل المتطلبات؟

في الجانب المالي، هناك تفهم من الرئيس سعد الحريري لضرورة انتظام الوضع المالي عبر اقرار موازنة «شرعية» من مجلس الوزراء وموافقة مجلس النواب، وقد اشارت «كتلة المستقبل النيابية» في بيانها امس الى انها ستدرس الموضوع ما يدل على عدم انزعاجه من الاقتراح، لكنه في الجانب السياسي يراعي هواجس رئيس الجمهورية من اطالة امد تشكيل الحكومة، في ظرف يحتاج فيه الرئيس عون الى حكومة فاعلة ومنتجة تعالج كل الاوضاع في البلاد الاقتصادية والاجتماعية والادارية والاصلاحية ومن ضمنها معالجة الوضع المالي.

ويبدو من حيث المبدأ ان الرئيس عون لا يمانع في عقد جلسات للحكومة تعالج بعض الضرورات ومنها موضوع الموازنة، لكنه يخشى ان تطول جلسات حكومة تصريف الاعمال وتصبح عادية بحيث تطال امورا غير ضرورية وتصبح امرا واقعا يصرف الانتباه عن تشكيل حكومة عاملة بكل اوجهها الدستورية والقانونية.

ويبحث الرئيس عون على خط موازٍ عن غطاء دستوري لا عن توافق سياسي فقط من اجل البحث جديا مع الرئيس المكلف في موضوع عقد جلسات الضرورة ومنها جلسات للموازنة، مع قرب انتهاء العقد العادي الاول لمجلس النواب نهاية هذا الشهر، وهو المخصص دستوريا لبحث واقرار الموازنة، فهل يسبق التوافق السياسي على تشكيل الحكومة التوافق على عقد جلسات الموازنة ام يبقى الاثنان معلقين حتى اشعار آخر.