بماذا يمكن أن يكتب التاريخ عن شعبٍ أوصل ناسه وأحزابه وحاكمه إلى السلطة، ثم آثروا الذل والهوان على الجهاد والنضال؟
 

لم يكن غريباً وعجيباً أن يقول الأئمة الزاهدون والثائرون على الطغيان والفساد، كأمير المؤمنين علي (ع) ما نسب إليه أو إلى الثائر جندب بن جنادة ـ أبو ذر الغفاري ـ (عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج شاهراً سيفه).. أو عندما نرى الزاهد العابد عبدالله بن حنظلة بقوله: "والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء".. 

هذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أنَّ الشعب أو الأمة أو المجتمع التي تسكت عن حاكمها وعن أحزابها التي وليتها حق الشرعية للوصول إلى السلطة سواء في الدين أو السياسة، مع علمنا بأن علماء الدين الأفاضل في الأعم الأغلب فهم في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، لأنهم لا تعنيهم مأساة الناس ولا فقرهم ولا بمن يسرقهم ويسرق لقمة عيشهم، ولا يعنيهم شيء مما يجري في هذا البلد من فسادٍ ومفسدين، بل ما نراه في مسلكياتهم يبررون إن لم نتهمهم بالمشاركة، للأقل سكوتهم عما يجري في مؤسساتنا من سرقة أموال الدولة وأموال الناس وأغلب من يتظاهر بالدين هم من الذين يصطادون ويعتاشون على كذب الناس وخداعهم من أجل أن يتربعوا على أكتاف وجهد الناس، إنهم كذبة مراؤون حدثاء سفهاء لا يجيبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا أمِنوا الضرر، ويطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير...فإن الفرد والشعب الذي يسكت عن سارق لقمة عيشه ويعيش على حسابه بكل أنواع الخديعة، ويصل إلى السلطة، ولا يشهر سيفه في وجهه لإنقاذ حقه وإسترجاع أمواله المسلوبة فعليه لعنة السماء.

إقرأ أيضًا: لتحويل المساجد إلى بيوت للفقراء...

فماذا تقول الشعوب عن أمةٍ وشعبٍ رضيت بأحزابٍ لتوصلها إلى السلطة، أو بحاكمٍ يعبث بالبلاد على حساب الشعب، أو بكتلةٍ حزبيةٍ نيابيةٍ أو وزاريةٍ تعبث فساداً وإفساداً بمقدارت الناس؟ وبماذا يمكن أن يكتب التاريخ عن شعبٍ أوصل ناسه وأحزابه وحاكمه إلى السلطة، ثم آثروا الذل والهوان على الجهاد والنضال وإشهار السيوف في وجوههم من أجل إنقاذ حقوقهم المسلوبة والمسروقة من باعة الدين والسياسة...

وأخيراً قالها مولانا الإمام الحسين بن علي (ع) وهذا خطاب موجه إلى كل من يندب ويبكي على الحسين، فلا تشج رأسك بالسيف بل عليك فج رأس من أكلك وسرقك وكذب عليك، فقال الإمام الحسين (ع): (أيها الناس إن رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل أو قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله... الا وإن هؤلاء "قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالبغي، واحلوا حرام الله، وحرموا حلاله..".. 

فنحن اليوم وما يجري من إستئثار بالبغي والفيء، لم يعد فيه مكانٌ للخيانة ولا للرجعية تحت أي مسمَّى ـ بمصالح ـ فلا حكم إلا للشعوب التي أولت وجهها نحو المستقبل، وأعظم الويل لمن يقف في الطريق تحت أية خديعة أو ذريعة.