لم تشهد أوجيرو مراسم استلام وتسليم للمنصب والمهام، بين المدير العام السابق عبد المنعم يوسف، والحالي عماد كريدية. وبعيداً عن الأسباب، وعن تقييم المرحلة السابقة، التي يفضّل كريدية عدم الخوض فيها، لأنه لا يعرف سَلَفَه معرفة شخصية، ولأنه يريد النظر إلى مستقبل أوجيرو، لا إلى ما حصل في السابق، فالهيئة "هي مؤسسة تتّجه نحو تجديد كل ما فيها"، حسب ما يقوله كريدية خلال حديثه لـ"المدن".

الشواغر والفساد
يحمل العام 2019 رواسب الأعوام السابقة. وهي بمثابة أثقال تحاول الهيئة تخفيفها، عبر الإصلاح الإداري، بدءاً من ملف الشواغر، الذي يُعتبر الباب الأوسع للضغط السياسي على أوجيرو ومديرها العام، بغضّ النظر عن هويّته. والضغط يأتي من كل القوى السياسية. إذ تحاول استغلال أوجيرو، بهدف التوظيف السياسي، بعيداً عن الحاجة الفعلية للهيئة، وعن قدرتها الإستيعابية. وهذا الضغط تكرر مع استلام كريدية منصبه مطلع العام 2017، حين "أرسلت القوى السياسية قوائم بأسماء تريد توظيفها في أوجيرو. لكننا، لم نلتزم بها. بل نظرنا إلى حاجة المؤسسة وإلى كفاءة تلك الأسماء، واخترنا ما يناسبنا كمؤسسة. هذا التوجّه انعكس سلباً بطريقة ما على العلاقة مع بعض السياسيين". 
مع حركة التوظيفات الجديدة التي "تراعي الكفاءة ومواكبة تطور تكنولوجيا الاتصالات، وظّفت أوجيرو 656 موظفاً، وما زالت بحاجة إلى نحو 600 موظّف". وسيرتفع هذا العدد مع إحالة "نحو 686 موظفاً إلى التقاعد، تباعاً، خلال السنوات الأربع المقبلة". وهنا يلفت كريدية النظر إلى أن "المدير العام هو الذي يوقّع أمر المباشرة بالعمل للموظفين"، وبالتالي يحق له حصراً ان يُشرّع التوظيف. 

وإلى جانب ملف التوظيف، بدأت أوجيرو تخرج من قمقم الفساد، وذلك بإستهداف الفساد الداخلي، "تحديداً بما يتعلّق بإنتاجية الموظفين وتوزيع ساعات العمل الإضافية وتوزيع المحروقات والتلفونات.. وما إلى ذلك". وقد أزعج ذلك الكثير من الموظفين ومرجعياتهم السياسية. فبرأي كريدية، "هناك موظفون كُثر اعتادوا عدم العمل، على مدى سنوات".

مشروع الفايبر أوبتك
على مدى أكثر من سنتين، تعمل أوجيرو لتنفيذ 29 مشروعاً، تؤمن نقلة نوعية في التكنولوجيا، تماشياً مع تطور تكنولوجيا الاتصالات، وهذا ما يستدعي الاعتماد على يد عاملة متخصصة. وعلى رأس المشاريع، مشروع مد شبكات الفايبر أوبتك التي "ستسمح للمشتركين بتشغيل التلفزيون والإنترنت والهاتف بجودة أفضل، وبذلك ستنافس أوجيرو شركتيّ الخليوي (ألفا وتاتش). وهذه المنافسة ستزيد القيمة الفعلية للمؤسسة العامة، وتزيد مدخول خزينة الدولة"، وفق ما يراه كريدية الذي يؤكد أن "المشروع يُفترض إنجازه رسمياً بعد أربع سنوات،. لكن أوجيرو ألزمت نفسها بإنهائه خلال ثلاث سنوات".

المشروع الذي سيشهد "تغيير 300 سنترال نحو الفايبر أوبتك، وسيستفيد منه 95 في المئة من اللبنانيين"، تأخّر انطلاقه "شهرين فقط". وهذا التأخير طال "القسم المزمع إنجازه في برنامج العام 2018، ولن يؤثّر على البرامج الأخرى للسنوات اللاحقة".

والتأخير، حسب كريدية "يتعلّق بالأسباب التقنية المرتبطة بخرائط الشبكات وتوزيع الأبنية على الأرض". ففي منطقة البحصاص في طرابلس، "كان من المفترض أن يكون هناك 500 بناية على الأرض، لكن تبيّن وجود 1300 بناية، ما استوجب لحظَهم على الخرائط. وفي منطقة الحمرا في بيروت، تبيّن أن 75 في المئة من مسالك الأبنية تحتاج إلى تكسير، لأن المتعهدين لم يجهّزوا الأبنية لتمديد كابلات مخصصة لأوجيرو، على غرار تمديدات الكهرباء". ويستغرب كريدية عدم إلزام المتعهّدين، عند الحصول على رخص البناء، بتخصيص غرفة للكهرباء والمياه ضمن المبنى، في حين أنهم غير ملزمين بأي إجراء يتعلّق بتسهيل مد خطوط الاتصالات التابعة لأوجيرو. هذا الأمر "استدعى التواصل مع نقابة المهندسين في طرابلس وبيروت، بهدف إبلاغ أوجيرو، حين إصدار تراخيص البناء، كي تتمكّن من إيجاد حل لمسألة تمديد الشبكات قبل إنشاء المبنى، وعدم الاضطرار لاحقاً إلى حفر الطرقات وخسارة الوقت".

ضغوط إضافية واجهت الهيئة عند بدء مشروع الفايبر أوبتك. فكل منطقة أرادت استقبال المشروع قبل غيرها، واتُّهِمَت الهيئة بالمفاضلة بين المناطق. وهذا أمر غير صحيح، لأن العملية "راعت طبيعة الأرض وكيفية توزيع الأبنية، وحاجة كل منطقة. وكان الخيار هو إعطاء الأولوية لمناطق الأطراف مع مراعاة تنفيذ بعض المشاريع في المدن الكبرى، لأن هذه المدن تستطيع رفد أوجيرو بالأموال المطلوبة لاستكمال المشاريع".

شائعات القطاع الخاص
الإتجاه الإيجابي لعمل أوجيرو، يُبادَر بالحديث عن خصخصة الهيئة. ولعلّ الخصخصة هي ضريبة النجاح، فأوجيرو، إلى جانب عملها التقني، "تعمل كأكاديمية تعلّم تكنولوجيا الاتصالات الجديدة، ليس فقط لموظفي الهيئة، بل للجامعات اللبنانية، وكافة المؤسسات العسكرية، ومنها سلاح الإشارة في الجيش اللبناني". غير أن الكلام عن خصخصة أوجيرو هو "امتداد لمؤتمرات باريس 1 و2 و3. والمشروع جزء من شروط المساعدات، التي أقرّت في تلك المؤتمرات". ويضيف كريدية "مؤتمر سيدر كان تكملة لتلك المؤتمرات، التي تريد للقطاع الخاص أن يتوسّع في لبنان".

رفض الخصخصة
يرفض كريدية خصخصة أوجيرو، فهي مؤسسة ناجحة ضمن قطاع اتصالات منتج. وبدل الحديث عن الخصخصة، على الدولة "تطبيق القانون 431، وهو قانون نافذ ولم يُنفَّذ. والقانون يقول بأن على وزير الإتصالات وضع استراتيجية طويلة الأمد للاتصالات. بالإضافة إلى إنشاء الهيئة الناظمة، التي يقع على عاتقها تنفيذ تلك الاستراتيجية، وتنظيم قطاع الاتصالات لإزالة حالة الفوضى التي يعيشها القطاع، نتيجة مراسيم عديدة أعطت للقطاع الخاص إمكانية الدخول على قطاع الإتصالات". 
كما أن القانون نصّ على إنشاء مؤسسة ليبان تيليكوم "وبعد خمس سنوات، يحق للدولة إدخال شريك استراتيجي، لتتمكن من إطلاق هذا القطاع، لكن لم يُذكر أن الدولة ستتخلى عن قطاع الاتصالات". ومأسسة أوجيرو وتحويلها إلى ليبان تيليكوم: "يعطي الصلاحيات لمجلس الإدارة والمدير العام لتكوين آليات عمل على نمط عمل القطاع الخاص".

ولعلّ تطوير مسار عمل أوجيرو ليواكب مسار عمل القطاع الخاص، دفع الأخير إلى إشاعة مسألة خصخصة أوجيرو بشكل يلغي الهيئة نهائياً. فهو لا يريد المنافسة، وفي الوقت عينه "يريد توسيع حصّته داخل قطاع الاتصالات". ولا ينفي كريدية حق القطاع الخاص في توسيع نشاطه داخل القطاع، شرط عدم التفريط بأوجيرو، "ولن يكون عماد كريدية هو المدير العام الذي سيتم خصخصة أوجيرو والتنازل عنها في عهده".

ضغوطات الحكومة
يتكامل مراد القطاع الخاص مع الحصار الإداري الذي تفرضه الحكومة على أوجيرو، لجهة تقييدها ببيروقراطية صارمة. وهذه القيود تحد من منافسة أوجيرو لشركتيّ الخليوي، وبخاصة في ما يتعلّق بتخفيض مستوى الأسعار، وتقديم خدمات للمشتركين، فمثل هذه القرارات "يتخذها مجلس الوزراء". فأوجيرو مثلاً، لا يمكنها إطلاق باقة من الخدمات في المناسبات والأعياد، لتحفيز المشتركين، من دون العودة إلى مجلس الوزراء. في حين أن القطاع الخاص لديه مرونة في هذه الأمور، ويستطيع اتخاذ قرار سريع حيالها.

ومع ذلك، فإن إيرادات أوجيرو "ارتفعت بنسبة 10 في المئة مع نهاية العام 2018، ومن المتوقع أن ترتفع مستقبلاً". وهذا الارتفاع جاء "عكس التوقعات التي رافقت خفض وزارة الإتصالات أسعار الاتصالات بنحو 50 في المئة، في تموز 2018".