كان لافتاً ربْط وليد جنبلاط التعثر الحكومي بوجود حملة مبرمجة من أبواق النظام السوري لتعطيل تشكيل الحكومة تارة عبر التشاور وتارة أخرى عبر بدعة زيادة وزيرين وغيرها من الحجج الواهية
 

لا شيء يعلو على هدير العاصفة، فالجمود في البلد زادت منه برودة الطقس، وما من كلام جديد عن حل تعقيدات تشكيل الحكومة بانتظار الوحي الذي سيهبط عندما يقرر من بيدهم الحل والربط. ومع استمرار المراوحة يُتخوف من انعكاس عدم تأليف الحكومة على القمة الاقتصادية العربية المزمع عقدها في بيروت في 19 و20 كانون الثاني الحالي. لما سيرتب ذلك من تأثير على مستوى تمثيل الدول العربية، إضافة إلى صورة لبنان. وفيما كانت الأنظار مشدودةً الى صورِ العاصفة الهوجاء انشغلتْ الأوساطُ السياسيةُ بالتحرّي عن سرّ أمْر العمليات الذي نَقَلَ عقدة المربع الأخير في عملية التشكيل من كونها بين التيار الوطني الحر وبين حزب الله إلى محاولة رمي كرتها في ملعب الرئيس المكلف سعد الحريري. 

وبدا من الصعوبة بمكان الجزم بخلفيات تلاقي التيار الوطني الحر، عبر قريبين منه، وحزب الله على تحميل الحريري مسؤولية ايجاد حلّ لعقدة تمثيل النواب السنّة الستة الموالين للحزب، في ظلّ سؤال مزدوج: هل الاندفاعة بوجه الحريري هي على طريقة الهروب الى الأمام من التصدُّع الذي أصاب علاقة التيار والحزب في صراعهما حول الثلث المعطّل في الحكومة عبر جعْل الحريري بدَلاً عن ضائع في مواجهتهما غير المسبوقة، أم أن هذه الاندفاعة هي تحت سقف تفاهُم خفي متعدّد البُعد بين التيار والحزب وعلى صلة بمتغيرات إقليمية؟

اقرا ايضا: شباب لبنان ضحيّة للفساد والسرقة !

 

وتذكّر الأوساط السياسية في هذا السياق، بأن الحريري كان التزم بما عليه إبان المبادرة الأخيرة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون حين وافَقَ على مبدأ تمثيل مجموعة الستة في الحكومة في موازاة قبول أعضائها بأن يتوزّروا عبر شخصية قريبة منهم وسير عون بأن يكون هذا الوزير من حصته، قبل أن تتعرقل المبادرة بفعل رفْض حزب الله ان يكون ممثّل النواب السنّة الموالين له جزءاً من تكتل باسيل المحسوب على رئيس الجمهورية وملتزماً بقراراته بما يجعل فريق عون يُمْسِك عملياً بالثلث المعطّل، وتالياً فإن معاودة فتح النار السياسية على الرئيس المكلف باتت تستدعي طرح سؤال مزدوج آخر هل أن أصْل المشكلة في الملف الحكومي يقتصر على أن باسيل لن يسير بأي حكومة لا ينال فيها الثلث المعطّل وأن حزب الله لن يقبل بأي تشكيلة تمنح رئيس التيار الحر منفرداً مفتاحاً تقريرياً في الحكومة واستحقاقات دستورية أخرى مثل رئاسة الجمهورية؟ أم أن وراء إعادة مسار التأليف الى غرفة الانتظار أيضاً أبعاد أخرى تتصل برغبة الحزب بالاستمرار في تعليق الوضع اللبناني ربْطاً بالتحولات في المنطقة وبينها التطورات في سورية وآفاق مساعي العودة العربية إليها على متن محاولة متجددة للفصل بين نظام الرئيس بشار الأسد وإيران؟!

وفيما كان لافتاً ربْط وليد جنبلاط التعثر الحكومي بوجود حملة مبرمجة من أبواق النظام السوري لتعطيل تشكيل الحكومة تارة عبر التشاور وتارة أخرى عبر بدعة زيادة وزيرين وغيرها من الحجج الواهية، مشيراً الى أن كل ذلك لتعطيل القمة الاقتصادية وتدمير مناعة الجسم اللبناني لمزيد من الهيمنة، فإن القمة التنموية المزمع عقدها في بيروت في 20 الجاري صارت جزءاً من المسرح السياسي للأزمة الحكومية وسط التعاطي معها لبنانياً بخلفيتيْن: الأولى ترى فيها مناسبةً لتجديد الثقة بلبنان ودوره في المرحلة الجديدة في المنطقة وفي الوقت نفسه تأكيد المظلة العربية للواقع اللبناني بوجه مظاهر النفوذ الإيراني في بلاد الأرز عبر حزب الله والتي كانت عبّرت عن نفسها بوضوح بعيد الانتخابات النيابية بكلام الجنرال الايراني قاسم سليماني عن انتصار حزب الله بـ 74 نائباً ودعوته إلى حكومة مقاومة.

أما الخلفية الثانية فتقارب القمة على أنها باب لعودة سورية الى المشهد اللبناني والعربي الواسع، ومن هنا المطالبات المتصاعدة من حزب الله وحلفاء له بدعوة سورية اليها بمعزل عن قرار من الجامعة العربية باستعادة مقعدها فيها. وسط هذه الصورة، يمكن استشراف الوضع القاتم المقبل على المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً، خاصة في ضوء المعلومات التي تتحدث عن إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وربما توجيه دعوة لرئيسه بشار الأسد لزيارة لبنان، وعندها لا بد من طي صفحة وفتح أخرى، قد تنطوي على جملة تطورات، لا بد من احتسابها وترقّبها. وأول تلاويحها قد بدأت في الظهور من خلال عملية تشكيل الحكومة المعرقلة، بفعل شروط أصبحت معروفة، ولا يتوانى البعض عن إعلانها بشكل فاضح، في سياق الحديث عن القمة الإقتصادية، إذ يعتبرون أن القمة لن تُعقد بدون سوريا، كما أن الحكومة لن تتشكل بدون تمثيل أحد المحسوبين على النظام السوري والذي يشكلون خرقاً في الساحة السنية على حساب سعد الحريري. 

والآتي ربما سيكون أعظم.