هناك هوّة ثقافيّة وفكرية بين الشباب في مناطق متجاورة في لبنان , يُعزّز من ذلك الانقسام الطائفي والمذهبي والوضع المادّي المتردّي عموماً
 

لايبدو حال الشباب في لبنان مختلفاً عن حال الشباب في الدول المحيطة عدا إسرائيل . الأجيال التي ولدت  في الحرب وعاشت تفاصيل التصفية على الهوية والاختطاف والقتل وبيروت الشرقية والغربية , تعيش اليوم حرباً غير مرئية  لكنّها حرب مختلفة ليست بالرصاص وضربات المدافع , اليوم هي حرب لأجل البقاء والاستمرار , الحصول على فرص العمل , الحصول على مسكن والمعيشة اليوميّة من طعام وشراب والوصول لخدمات تعليميّة .

البقاء في هذه الظروف السيّئة أو الهجرة خياران قاسيان أمام الشباب في لبنان والذي يشكل نسبة 28% من مجموع السكان  كما تُعدّ  البطالة المشكلة الأبرز التي يعاني منها الشباب فتشكل نسبة الشباب من العاطلين عن العمل 66%.

يواجه الشباب اللبناني تحديات كبيرة تعليمية واجتماعية وصحية واندماج اجتماعي وأزمات تتعلّق بالمشاركة السياسيّة , فالشباب في لبنان موزّع بحسب انتماءاته السياسية , معظم الشباب هنا لم يختاروا انتمائهم وانما فرضت عليهم الطائفة أو المنطقة أو العائلة هذا الانتماء , قلّةٌ قليلة خرجت عن هذا المسار واختارت اتجاهاً غير اجباري ,لذلك كلّ شيء في هذا البلد يخضع للتوازنات السياسيّة من انتخاب رئيس للجمهوريّة وحتّى حلّ أزمة النفايات المستعصية منذ أشهر .


يُردّد الشباب في لبنان آراء قادتهم السياسيّين , يتبنّون حتّى أخطائهم ويهاجمون كلّ الخصوم الآخرين المتبدلين بحكم المصالح السياسية والانتخابيّة , الانتخابات هُنا مواسمُ للمنفعة الشخصيّة والحزبيّة , الفوز ليس للأجدر بل للذي يستطيع كسب الأصوات ولو كان ذلك ضمن عملية بيع وشراء ولقد شهدت الإنتخابات البلدية الأخيرة كثيراً من الخروقات وشراء الأصوات ومحاولات الهيمنة على المجتمع الناخب بطرق مختلفة ولم يقتصر هذا الأمر على مدن محددة بل يشمل كل المدن من الشمال حتّى الجنوب .

 

لكلّ منطقة في لبنان روّداها , بل يمكنك معرفة الاتجاهات السياسيّة ليس فقط مناطقياً بل من خلال اسم الكافيتريا أو المطعم أحياناً , الاندماج مع الأجانب مفضلٌ على الاندماج مع اللاجئين السوريين , كما تفضّل أوتيلات الخمس نجوم على الأربع نجوم , هناك هوّة ثقافيّة وفكرية بين الشباب في مناطق متجاورة في لبنان , يُعزّز من ذلك الانقسام الطائفي والمذهبي والوضع المادّي المتردّي عموماً .

اقرا ايضا : اللّبنانيّون عن حادثة جسر الكولا ... هل مهندسه من بيت باسيل ؟

 

 

وتعيشُ بعض المناطق تشدداً وتطرّفاً ويخرج منها جهاديون ليقاتلوا في سورية منهم من يتوجّه للقتال بين صفوف المعارضة السورية وآخرون باتجاه القتال إلى جانب الحكومة السورية من خلال المقاومة اللبنانية – حزب الله , فيما تعيش مناطق أخرى حياة مختلفة وبعيدة عن الانخراط الفعلي فيما يحصل في سورية , ويعزو متابعون توجّه هؤلاء الشباب إلى الجانب العقيدي تارةً وإلى سوء أحوالهم الماديّة تارة أخرى .

ووفرت المنظمات الدولية غير الحكومية والانسانية والاغاثية والتنمويّة آلاف فرص العمل , تدوير كبير للأموال التي تصرف على برامج التعليم واللاجئين والتدريبات المختلفة للناشطين ومؤسسات المجتمع المدني , كلّها في لبنان لتعذر عملها بحريّة في سورية وفي دول أخرى , المكاتب الاقليمية للمنظمات وبرامج التنمية والسفارات وكل الوكالات كلّها فرص للعمل لكنّ أعداد كبيرة من موظفيها من الأجانب والجنسيات المختلفة .

 

الصحافة والاعلام تستقطب كثيراً من الشباب , كلّ بحسب توجهه , كلّ الحريات مفتوحة في هذا البلد أيّ استخبارات عالمية تستطيع الحشد لأيّ أهداف تريدها , كلّ فرص المجتمع المدني مفتوحة لكنّ الواقع السياسي محكوم بتركيبة طائفية تعتمد المحاصصة ولايبدو في الأفق أنّ اللبنانيون في طريقهم لإنهائها , أو على الأصح أنّ اللاعبين الدوليين في هذا البلد مستعدين للاستغناء عنها وخسارة نفوذهم .


ما يعانيه اللبنانيّون في الخارج ليس أفضل ممن هم في الداخل , أعداد كبيرة من العاملين في دول الخليج تم تسريحها لأسباب سياسيّة وأحياناً كثيرة لأسباب اقتصاديّة تتعلق بالأزمات الدولية المتلاحقة , وبالطبع هذا الأمر ليس حكراً على الخارج مع سعي الشركات وأصحاب الأعمال في لبنان إلى صرف موظفيهم توفيراً للنفقات بعد قرارات برفع الحد الأدنى للأجور وغيرها .

أزمة السكن من أكبر الأزمات التي يعاني منها اللبنانيّون في ظل الارتفاع المتسارع لأسعار الشقق والعقارات , معظم الشباب اللبناني صار حلمه شقّة في ضواحي المدن فقط فالأسعار الخيالية للعقارات داخل المدن جعلت التفكير فيها أمراً بعيداً.

حاول الشباب اللبناني استثمار موجة الربيع العربي في 2011 فدعا لمظاهرات وتجمعات لاسقاط نظام المحاصصة الطائفي لكن التحالفات في لبنان أفشلت هذه التحركات التي سرعان ما عادت للظهور من خلال حملات "طلعت ريحتكن " و "بدنا نحاسب " , إلا أنّ كلّ هامش الحريات المتوفر في هذا البلد يبقى اعلاميّاً فقط وبحاجة وقت كبير ربمّا ليحقق تقدم ملموس في عمليات التغيير وبناء مجتمع مسؤول .