لم يخرج ترامب كثيرا عن الخط الأميركي الحقيقي، حين اعتبر إيران في ظل نظام الملالي شرا مطلقا.
 

من المضحك طبعا أن تراهن دولة صغيرة جدا على سقوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل أن تضمن خروجها سالمة من أزمتها.

من المؤكد أن ترامب لا يزال يجهل كل شيء عن تلك الدولة، سوى ما كان يعرفه عن ثروتها التي لم يكن يفكر فيها ما دامت حصة الأميركان منها مضمونة. غير أن جهل ترامب لا يعني أن أيامه صارت معدودة في البيت الأبيض.

فحدث من ذلك النوع هو أمر في غاية التعقيد والصعوبة. كل فضائح ترامب اللغوية لا تكفي سببا لأن يقول الكونغرس كلمة سوء في حقه.

فالرجل، الذي يتسلى في تويتر، شهد الاقتصاد الأميركي في الفترة القصيرة من سنوات حكمه قفزات إيجابية لافتة. ذلك ما يُحسب له، على الرغم من أن ذلك الأمر قد لا يكون على صلة مباشرة بسياساته.

غير أن من الخطأ الاكتفاء بكاتب التغريدات التي تبدو مجانية أحيانا، ونسيان سيد البيت الأبيض الذي يقود أكبر إمبراطورية عسكرية واقتصادية في عصرنا وهي الأكثر قدرة على تجسيد روح الشر في التاريخ.

على العموم فإن ترامب ليس أسوأ من رؤساء أميركان سابقين من نوع ليندون جونسون وجورج بوش الأب وابنه. كما أن أولئك الرؤساء لم يكونوا أقوى منه وهم الذين شنوا حروبا مأساوية وقذرة حول العالم.

بالتأكيد ترامب ليس الأسوأ وليس الأكثر وقاحة. إنه الأشد صراحة ووضوحا في التعبير عن الرأسمالية المتوحشة.

ولكن الحالمين بسقوط ترامب ليسوا أقل توحشا في رأسماليتهم.

لم يخرج ترامب كثيرا عن الخط الأميركي الحقيقي، حين اعتبر إيران في ظل نظام الملالي شرا مطلقا. محور الشر الذي يضم إيران كان قائما قبل مجيء ترامب.

اليوم ينفذ دونالد ترامب عقوبات كانت، أصلا، مفروضة على إيران. استطاعت طهران التخلص من تلك العقوبات عن طريق حيلة دبرها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، سرعان ما افتضحت.

مع ذلك سيُقال إن ترامب يعيدنا إلى الوراء. ولكن ماذا يُسمى المشروع الإيراني في الشرق الأوسط الذي يعيد المنطقة كلها إلى زمن ما قبل الدولة الحديثة، بل وإلى زمن ما قبل اكتشاف فكرة الدولة في التاريخ؟

هناك الكثير من التحذلق في الروايات الإيرانية، وفي روايات أتباع إيران.

ما يقوم به ترامب أنه يعطل الساعة ويعود بها إلى الوراء من أجل أن يتنفس العالم العربي، وهو هدف الشر الإيراني، شيئا مما حُرم منه من الهواء عبر أربعين سنة من جحيم جمهورية الخمينيين في إيران.

أما أن يسخر ترامب من نفسه حين يُظهر تفهمه لإيران التي تسحب رجالها من سوريا واليمن، فإنه يعمل بذكاء على رصد ردود أفعال الإيرانيين التي يتوقع أنها ستكون غبية.

وهو ما حدث فعلا. ترامب ضد ترامب. ذلك ليس صحيحا. الرئيس الأميركي يثق بما يفعل بالرغم من أن الكثيرين يتهمونه بالتهور والاستخفاف، وهو حكم يخفي جزعا ممزوجا بالخوف.

لقد حقق ترامب اختراقا واضحا في المسألة الكورية الشمالية.

غير أن أعظم ما يمكن أن ينجزه في ولايته الرئاسية يتلخص في جر إيران، طائعة، إلى الخضوع للقانون الدولي من غير تكلفة مضافة. وهو هدف قد لا يمكن الوصول إليه من غير حرب مدمرة.

ذلك ما دفع بترامب الذي يتمنى الصغار سقوطه إلى التعامل مع المسألة الإيرانية بحذر مشوب بالقلق. حذر لأن الإيرانيين يفكرون في الانتحار بالمنطقة عن طريق جيوش عملائهم، وقلق لأن الحرب يمكن أن تلحق ضررا عظيما بملايين الإيرانيين الذين يستعملهم نظام الملالي دروعا بشرية.

ترامب رجل من غير عاطفة. غير أنه رجل حسابات. لذلك فإنه يحاول في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران أن يجرب لغة، هي ليست لغته بالرغم من معرفته بأن كل اللغات لا تنفع مع نظام يعتقد أنه على حق بتفويض إلهي.

لغة القوة وحدها هي التي تنفع. وكما اعتقد أن ترامب يملك الوقت الكافي لاستعمال تلك اللغة.