تشهد الساحة الفلسطينية حالة احتقان متزايدة بين حركتي حماس وفتح، كان آخر مظاهرها انسحاب موظفي السلطة الفلسطينية، من معبر رفح الحدودي، جنوبي قطاع غزة، منتصف ليل الأحد-الإثنين، وهي خطوة قد تؤدي إلى إغلاق المعبر، الذي يعد المنفذ الوحيد لسكان القطاع نحو العالم الخارجي.

وسارعت حماس الإثنين إلى شغل الفراغ الذي خلفه انسحاب موظفي السلطة، عبر نشر عناصر من وزارة الداخلية التابعة لها في المعبر، مع تأكيد الحركة على اتصالات متواصلة “مع الإخوة في مصر للضغط على السلطة للتراجع عن قرارها وإبقاء المعبر مفتوحا

وكانت حماس تدير معبر رفح الحدودي مع مصر ومعبري كرم أبوسالم وبيت حانون (إيريز) الحدوديين مع إسرائيل، منذ سيطرتها بالقوة على القطاع في صيف 2007 قبل أن تتسلم حكومة الوفاق الفلسطينية إدارة معابر القطاع في أكتوبر 2017 إثر تفاهمات مع حماس برعاية مصرية.

ويخشى الغزيون أن يؤدي انسحاب السلطة الفلسطينية من معبر رفح إلى عودة الأمور إلى ما كانت عليه (قبل أكتوبر 2017)، وهي الفترة التي شهدت غلق المعبر من قبل السلطات المصرية بصورة شبه مستمرة، وفتحه إلا في حالات قليلة.

وأعرب رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم بحركة فتح منير الجاغوب في تصريح لـ“العرب” من رام الله، عن اعتقاده “بعدم تعامل القاهرة مع عناصر حماس الذين تولوا الإشراف على معبر رفح لأنهم جهة غير رسمية تسيطر على المعابر، ومن يتواجدون عليه أشخاص ملثمون وخارجون عن القانون”.

وتُفجر حالة الاحتقان السائدة بين حماس وفتح المزيد من الألغام في طريق تحقيق الوحدة الفلسطينية، كما تنذر بإشعال فتيل توترات أمنية قد تدخل أراضي السلطة الفلسطينية في حالة متصاعدة من الفلتان الأمني، ولعل الأخطر من ذلك أنها تكرس انفصال الضفة عن غزة، وتعبد الطريق أمام صفقة القرن الأميركية.

وبررت حكومة رامي الحمدالله قرار سحب موظفيها من معبر رفح بشن أجهزة حماس حملة اعتقالات في صفوف أبناء فتح شملت عاملين في المعبر، على خلفية إصرارهم على تنظيم مهرجان في غزة (كان مقررا الإثنين بيد أنه تم إلغاؤه في وقت لاحق) للاحتفال بذكرى تأسيس حركة فتح.

وسبق أن اتهم الناطق باسم فتح في القطاع، عاطف أبوسيف، في بيان صحافي أصدره بتاريخ 31 ديسمبر الماضي، حماس باعتقال كوادر من فتح لتمسكهم بإقامة المهرجان.

والثلاثاء الماضي، ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) أن العشرات من كوادر حركة فتح أصيبوا نتيجة اعتداء عناصر من أمن غزة عليهم بالضرب في ميدان فلسطين، وسط مدينة غزة، خلال مشاركتهم في فعالية “إيقاد الشعلة” التي تأتي ضمن فعاليات إحياء الذكرى السنوية الـ54 لتأسيس فتح.

ولم تعلق وزارة الداخلية في غزة على ما أوردته وكالة “وفا”. في المقابل اتهمت حركة حماس، الأربعاء الماضي، الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية بشن حملة اعتقالات طالت أكثر من 60 ناشطا بالحركة.

وفي إطار حالة التوتر السائدة، أعلن الرئيس محمود عباس في 22 ديسمبر الماضي عن إصدار المحكمة الدستورية قرارا بحل المجلس التشريعي (البرلمان) الفلسطيني الذي تملك حماس غالبية المقاعد فيه، وهو ما اعتبرته الأخيرة “غير قانوني وغير دستوري ويستهدف تفرد عباس بالقرار السياسي الفلسطيني”.

وهدد عباس بوقف الموازنة التي تدفعها حكومته إلى غزة شهريا، وتبلغ 96 مليون دولار، في حال لم تقبل حماس بإجراء انتخابات عامة خلال 6 أشهر.

ومساء يوم الجمعة الماضي، أعلنت فتح أنها قررت “إغلاق كافة مكاتبها ومقار عملها في القطاع، تحسبًا لأي اعتداءات عليها”.

وتعكس الخطوات التصعيدية المتبادلة بين حماس وفتح عدم رغبة الطرفين في إنجاح جهود المصالحة، حيث أن كل طرف مسكون بعقلية الاستئثار وإلغاء الآخر، الأمر الذي من شأنه أن يضعف الجسم الفلسطيني الواهن، وهو ما يصب في صالح إسرائيل، وأيضا يعبد الطريق أمام صفقة القرن التي تأجلت مرارا بانتظار اللحظة المواتية للإعلان عنها.

وبحسب التسريبات فإن صفقة القرن تقوم على فصل الضفة عن غزة، وما يحدث اليوم بين حماس وفتح من شأنه أن يهيء الأرضية للإعلان عنها ربما بعد الانتخابات الإسرائيلية العامة المنتظر إجراؤها في أبريل المقبل.

وعلى وقع التصعيد الجاري تبدو الأنظار مصوبة نحو مصر الراعية للمصالحة، وكيف ستتصرف في ضوء التطورات الأخيرة.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد أجرى نهاية الأسبوع الماضي لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تم التطرق فيه إلى ملف المصالحة وسط أنباء عن خلافات بين الطرفين.

وتحاول مصر أن تكون وسيطا محايدا بعدم الانتصار لأي طرف فلسطيني وهذا يثير خاصة غضب عباس. واستبعد المحلل الفلسطيني طلال عوكل، تعامل القاهرة بطريقة التضييق على حماس في غزة، لأن ذلك يشكل ضغطا على أهالي القطاع، مرجحا استمرار فتح معبر رفح في ظل حركة سفر على المعبر محدودة من قبل المواطنين الفلسطينيين، بصرف النظر عن انتماءات الموظفين. وشدد عوكل في تصريحات لـ“العرب”، على استمرار تعاطي مصر بشكل متوازن بين فتح وحماس، في ظل التصعيد الراهن بينهما، والذي يشير إلى وجود نية لدى السلطة للمزيد من التصعيد، ما يفرض على القاهرة التعامل مع المشكلة بروية لمنع الوصول إلى نقطة اللاعودة.

ويرى مراقبون أن مصر تبدو عاجزة عن إجبار الطرفين على العودة إلى طاولة المفاوضات مجددا والسير في خيار المصالحة، حيث أن كل جانب يحاول اعتماد سياسة لي الذراع، وقد يقود هذا الأمر إلى تفجير في غزة وأيضا في الضفة.

وحمل المتحدث باسم حماس، حازم قاسم، الرئيس محمود عباس شخصيا مسؤولية حالة التوتر والاحتقان نتيجة العقوبات التي يفرضها على قطاع غزة، وقطع المزيد من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في القطاع، إضافة إلى تحريضه الإعلامي ضد غزة.

وبداية الشهر الجاري، قالت وسائل إعلام محلية إن الحكومة في رام الله قطعت رواتب عدد من موظفي السلطة في غزة، وهو ما لم تعلق عليه الحكومة. ومنذ أبريل 2017، تنفذ السلطة الفلسطينية “إجراءات إدارية ومالية”، عقابية بحق حماس ومناوئين لسياساتها في غزة، تشمل تخفيض الرواتب والنفقات، وتبرر السلطة هذا المسلك بأنه يندرج في سياق إجبار حماس على إنجاز اتفاقات المصالحة.

ورأى المتحدث باسم حماس أن طريق الوحدة مسدود بسبب تعامل الرئيس عباس مع الملف بمنطق التفرد ورفضه للشراكة السياسية أو تطبيق اتفاقيات المصالحة.

وحذر المحلل الفلسطيني هاني المصري من إمكانية أن تتطور حالة الاحتقان إلى تداعيات خطيرة توصل إلى الانفصال التام بين غزة والضفة. وأضاف أن استمرار “تصاعد حدة الاحتقان بين حماس وفتح قد يفرض احتمالات خطيرة قد تصل إلى اشتباكات وقتلى وجرحى”. وتابع “يمكن أن تتطور الأمور إلى نزاع مسلح وتفجيرات متبادلة بالضفة وغزة في المستقبل إذا استمرت حالة الاحتقان وتواصل التحريض المتبادل”.

ويسود الانقسام السياسي أراضي السلطة الفلسطينية منذ منتصف يونيو 2007، عقب سيطرة حماس على غزة بقوة السلاح، في حين تدير حركة فتح التي يتزعمها الرئيس عباس الضفة الغربية.

وتعذّر تطبيق العديد من اتفاقات المصالحة الموقعة بين الحركتين والتي كان آخرها بالقاهرة في أكتوبر 2017، بسبب نشوب خلافات حول قضايا، منها: تمكين الحكومة، وملف موظفي غزة الذين عينتهم حماس أثناء فترة حكمها للقطاع.