عون يسلّم بأن لا حكومة قبل القمة الاقتصادية وإدراك بري لتأخر الحل دفعه لاقتراح إقرار الموازنة
 

توقفت الأوساط السياسية اللبنانية أمام عدة مؤشرات إلى أن أزمة تأليف الحكومة اللبنانية ستطول وأن لا بوادر حلحلة لعقدة اشتراط "حزب الله" تمثيل حلفائه من النواب السنة في القريب المنظور.


وتقول مصادر مواكبة لجهود حلحلة العقدة لـ"الحياة" أن أول المؤشرات أن لا تواصل بين الرئيس المكلف سعد الحريري وبين المسؤولين المكلفين البحث عن مخارج للأزمة. فلا رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل ولا المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم عادا فاتصلا مع أعضاء "اللقاء التشاوري" للنواب السنة ( الذين يشتكون من عدم الاتصال بهم)، ولا مع الحريري. وإذا من تواصل مع "حزب الله" فهو بعيدا من الإعلام.

وتعدد المصادر إياها 3 مؤشرات أخرى كالآتي:

1- أن "حزب الله" عاد لنغمة تحميل المسؤلية عن تأخير ولادة الحكومة للحريري بعد أن كانت أوساطه وكذلك أوساط رئيس البرلمان نبيه بري حملت الوزير باسيل تبعات إفشال خيار المرشح جواد عدرة كممثل للنواب السنة الستة الحلفاء للحزب، عبر إصراره على أن يكون من تكتل الرئيس عون و"التيار الحر" الوزاري، كونه ستتم تسميته من حصة الأول. وتشير المصادر إياها إلى أنه على رغم عودة بعض قادة الحزب ونوابه إلى القول أن على الحريري القبول بتمثيل من يقترحه النواب السنة لتمثيلهم وإلا سيضطر لاحقا للتعامل مع اقتراحات أخرى، فإن الوسائل الإعلامية الموالية للحزب ما زالت تشن حملة على باسيل منتقدة رغبته بالحصول على الثلث المعطل في الحكومة، مقابل دفاع أوساط باسيل عنه موحية بأن الحزب سبب العقدة لأنه أخل بالاتفاق على أن يكون الوزير الذي يمثل "اللقاء التشاوري" من حصة الرئيس عون وفي كتلته الوزارية.

الحملة على الحريري وتعطيل المراسيم

إلا أن المصادر القريبة من الحريري ترى حسب قولها لـ"الحياة" إن محاولة الحزب نقل المسؤولية عن تأخير الحكومة إلى الرئيس المكلف هدفها تجنب تفاقم الصراع بين الحزب و"التيار الحر". وتضيف: "إنهم يريدون فك الاشتباك بينهم وبين فريق الرئيس عون. وحملتهم على الحريري من ضمن عدة الشغل لأنهم يدركون أن الرأي العام، لا سيما المسيحي حملهم المسؤولية، بدليل ما حصل من مصارحة من قبل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي مع وفد الحزب الذي زاره الأربعاء الماضي للمعايدة، حيث حمّل الحزب المسؤولية عن التأخير. وهي مصارحة انتهت بأن أبلغ عضو المجلس السياسي محمود قماطي الراعي أنه سيكون هناك حكومة خلال 72 ساعة، لكن الوعد لم يتحقق بعد مضي 5 أيام".

وتقول المصادر المقربة من الحريري إن الحملة على الحريري محاولة من "حزب الله" لتعديل وجهة السجال في البلد بينهم وبين أوساط "التيار الحر"، ووظيفة الحملة ليست الوصول إلى حل بل تؤشر إلى أنهم لا يريدون حكومة. وحين يدعون الحريري إلى تحمل مسؤولياته فيقبل ببعض الاقتراحات ومنها اقتراحهم توسيع الحكومة إلى 32 وزير منذ أكثر من أسبوع، والمعروف أن الحريري يرفضه، يدل إلى أنهم يتهربون من اتهامهم أمام الرأي العام بأنهم وراء العرقلة بافتعالهم عقدة تمثيل السنة حلفاءهم حتى حين جرى التوصل إلى حل وسط في شأنها. وهم بذلك يحولون دون أن يتحمل الرئيس المكلف مسؤولياته.

وتقول مصادر في "تيار المستقبل" إن "حزب الله" يتصرف على أن الرئيس المكلف "ملزم بالسير بمطالب الآخرين، وبالشروط التي يعتبرها حزب الله مناسبة لولادة الحكومة. وهو الأمر الذي لن يخضع له الرئيس الحريري تحت أي ظرف، ولن يسمح بتحويل صلاحياته الدستورية الى تجاوز للأصول والأعراف لتتلاعب بها الأهواء والمصالح". وترد مصادر "المستقبل" على حملة الحزب على الحريري بالقول: صحيح هو مسؤولٌ عن تأليف الحكومة، لكن على عاتقه رسم معادلة تكفل قيام حكومةِ ائتلافٍ وطني، تراعي مقتضيات الظروف السياسية، لا تعزل احداً من المكونات الاساسية. لكن يجب أيضا توجيه الأنظار إلى المسؤول عن عرقلة التأليف وتعطيل إصدار المراسيم التي كانت قيد الإعداد. والجهة التي تتحمل مسؤولية قطع الطريق على الصيغة التي انجزها الرئيس المكلف واضحة والجميع يدرك أنه الحزب حين يطرح السؤال عمن قطع الطريق على ولادة الحكوم بعد أن تحمل الرئيس المكلف مسؤولية التأليف".

سبب خارجي للحملة؟

2 - أن الرئيس عون جزم أمس في كلامه عن انعقاد القمة الاقتصادية في موعدها أثناء استقباله موفد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، أن استضافة لبنان لها في ظل حكومة تصريف الأعمال التي "تمارس صلاحياتها وفقاً للاصول وليست سبباً لتأجيل القمة"، ردا على أنباء مصدرها أوساط حليفة لسورية تحدثت عن تأجيلها بسبب عدم دعوتها إليها.

وتشير المصادر المواكبة لاتصالات تأليف الحكومة في هذا الصدد لـ"الحياة" إلى أن تعديل وجهة المسؤولية عن عدم تأليف الحكومة من قبل "حزب الله" قد يكون دليلا إلى أن هناك أمورا خفية وراء العرقلة، خارجية، ربما تكون الحملة من أجل دعوة سورية إلى القمة الاقتصادية التي يستضيفها لبنان أحد مظاهرها، في وقت أكد الرئيس عون الذي يؤيد عودتها إلى الجامعة العربية، أن القرار يعود للجامعة وليس له كمضيف للقمة. فموقف الرئيس عون يتجاوز هنا الاشتباك السياسي القائم حول الحصص والتوزير ما يعني أن هذا الاشتباك غطاء لمسألة أخرى.

والنتيجة الحتمية لتسليمه بانعقاد القمة في ظل حكومة تصريف الأعمال مؤشر آخر إلى أن لا حكومة في القريب المنظور على رغم أضرار ذلك على مسار النهوض الاقتصادي الذي كان يفترض بتأليف الحكومة أن يطلق خطواته، ما سيقود دولا معنية بمساعدة لبنان إلى طرح أسئلة كثيرة قد تدفعها إلى توجيه الأموال المخصصة للبنان، إلى دول أخرى منها الأردن مثلا، خصوصا أن المنطقة موضوعة على جدول أعمال استثمارات خارجية.

الموازنة وتصريف الأعمال

3- أن دعوة الرئيس بري الحكومة إلى الاجتماع لإقرار موازنة 2019 دليل آخر إلى أنه لا يأمل بحكومة قريبا، بحيث يفكر بإنقاذ ما يمكن من الوضع الاقتصادي المالي، ويرغب في إعادة انتظام وضع المالية العامة، في ظل تصريف الأعمال.

والحريري يدرس الفكرة حسب قول بعض أوساطه لـ"الحياة" ويتريث في اتخاذ القرار بشأنها حتى لا يقدم على خطوة مبنية على اجتهاد لسابقة حصلت عام 1969 ، حيث كانت الظروف السياسية والأمنية في البلد مختلفة عما هي الآن. وأوضحت أوساطه أنه لا يرفض الفكرة لكنه يحاول التدقيق في ارتداداتها على عمل المؤسسات، وانعكاساتها المستقبلية.