دعت شخصية قريبة من «حزب الله» إلى التمييز بين النزاع الداخلي الذي تراجعت حدّتُه في الآونة الأخيرة بين الحزب وخصومه الاستراتيجيين، وبين دوره في منع عودة النفوذ السوري إلى لبنان.
 

وقالت هذه الشخصية إنّ النزاع بين لبنان وسوريا لم يبدأ مع نظام البعث ولن ينتهي بعده، بل بدأ مع نيل البلدين استقلالهما وسيستمر إلى حين تبدُّل النظرة السورية حيال لبنان، الأيديولوجية أولاً بأنّ لبنان جزءٌ من سوريا، والسياسية ثانياً بأنّ بيروت ساحةُ نفوذ لدمشق.

وعلى رغم العلاقة الاستراتيجية التي جمعت النظامين السوري والإيراني إلّا انها مرّت في ثلاث مراحل أساسية: مرحلة النفوذ السوري الكامل على حركة «حزب الله» في لبنان، مرحلة التنسيق بين الطرفين بعد خروج الجيش السوري من لبنان، ومرحلة نفوذ الحزب داخل سوريا على أثر الحرب السورية ودخوله للدفاع عن النظام ليس فقط كحليفٍ استراتيجيٍّ لطهران، إنما في ظلّ الخشية من تحويل سوريا الجديدة إلى عراق قديم بوقف المدّ الإيراني عند أسوارها.

وفي موازاة كسر الحرب السورية شوكة النظام، حوّلت المسرح السوري قاعدة نفوذ دولية وإقليمية، ومن الصعوبة في مكان إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب، ولكن ذلك لا يمنع النظام الحالي او غيره من محاولة استعادة دور سياسي في لبنان، خصوصاً انّ تربته خصبة للتدخلات الخارجية، وهناك فئات لبنانية ما زالت ترى في سوريا العمق الطبيعي لنظرتها، ولن تتردّد في استجلاب تدخلات لمصلحة تزكية دورها في لبنان.

وأيُّ عودة سورية محتمَلة الى الوضع اللبناني ستبدأ بتزكية النزاعات داخله وهزّ استقراره، لأن لا عودة ممكنة على قواعد توافقية في لبنان، وهنا بالذات تبرز الحاجة إلى «حزب الله»، ودائماً وفق الشخصية القريبة منه، وذلك في اتجاه أوّل مزدوج:

ـ الشق الأول بتشكيله المرجعية للشخصيات التي تدور في فلكه والفلك السوري، وترسيمه حدود علاقتها مع النظام السوري، وإفهامها أنّ قرارَها أو مرجعيّتها في حارة حريك لا في دمشق، وأيّ شخصية ستخالف هذا التوجّه ستفقد دورها في لبنان، فالحزب لن يسمح بمنافسته داخل خطه ونفوذه، ولن يسمح بتقوية النفوذ السوري على حسابه ويتحوّل مع الوقت منافساً له، وبالتالي سيقطع الطريق من أولها على هذا التوجه.

ـ الشق الثاني بترسيمه حدود علاقة النظام السوري مع لبنان، فهو نظام حليف ضمن محور الممانعة، والتنسيق يتمّ على مستوى مصلحة هذا المحور ومكوّناته، ولكنّ حدود نفوذه تقف عند الحدود اللبنانية، فلا عودة إلى زمن الوصاية على لبنان ولا حتى إلى المرحلة التي تلتها، وأيّ نفوذ أو بالأحرى تزكية شخصية في موقع أو منصب تتمّ من خلال الحزب وبالتشاور والتنسيق معه، وليس من خلف ظهره أو بإعادة تعزيز النفوذ السوري مباشرة، فلا تدخّلاً سورياً مباشراً في لبنان، وأيّ تدخل لاعتبار معيّن عليه أن يطرق باب «حزب الله» أولاً وأخيراً.

وقالت الشخصية نفسها إنّ «حزب الله» لن يسمح بعودة القديم إلى قدمه، وهذا لا يعني أنه سيبدّل في سياسته او في وارد تسليم سلاحه، أو أنه يقوم بذلك تحت العنوان السيادي وفقاً لنظرة خصومه، إنما يقوم بذلك وفق نظرته وأولوياته وأجندته، خصوصاً انّ الحزب يدرك تماماً أنّ الاتفاق الاستراتيجي بين مكوّنات الممانعة لا يمنع أن يكون لكل مكوِّنٍ تكتيكاته المختلفة وهوامشه وأسلوبه، ويعتبر انّ المصلحة السورية في لبنان قد تتناقض مع مصلحته، وتجنّباً لأيِّ صدام محتمل ولأيِّ خلاف تكتي يمكن أن يتحوّل استراتيجياً يعتبر أنّ المساحة اللبنانية تشكل جزءاً لا يتجزّأ من مسؤوليته واختصاصه ويُمنع على النظام السوري التدخّل في لبنان وشؤونه، فما مضى قد مضى والمعطيات اللبنانية الحالية تختلف عن المعطيات السابقة.

وأضافت الشخصية القريبة من الحزب: أما الضمان الثاني الذي سيشكله «حزب الله» فهو أنه في حال أُعيد ترتيب البيت السوري على قاعدة تغليب الدور السنّي، فلن يَسمح بجعل لبنان ممرّاً لاستهدافه أولاً، وللتدخّلات السورية ثانياً، ولو بأشكال مختلفة، خصوصاً في ظلّ خشيته من وجود مخطط لجعل القرار في سوريا استناداً إلى ديموغرافيتها في موقع النقيض لمحور الممانعة والحزب تحديداً، وبالتالي سيحوِّل وجوده الحدودي حاجزاً وسدّاً لمنع ايّ تسلّل أو تدخّل في الشأن اللبناني، خصوصاً انّ محاولات من هذا النوع ستطيح الاستقرار اللبناني.

ولدى وصف مقاربة الشخصية القريبة من «حزب الله» بالمقاربة التجميلية لدور الحزب وتحويله قوة سيادية والعزف على وتيرة الحساسية ضد التدخلات السورية تجميلاً لهذا الدور، فيما جوهر دور الحزب يكمن في مواصلته الانتقاص من سيادة لبنان واستقلاله ومرجعية الدولة داخله، أردفت قائلة: «لا نيّة لتجميل دور الحزب الذي يتحرّك وفق أولوياته، ولكن لا يمكن إنكار لبنانيّته، وان اختلاف أجندته عن أجندة قوى لبنانية أخرى شيء، فيما تدخّل سوريا في الشأن اللبناني بمعزل عن طبيعة نظامها شيء آخر مختلف تماماً، ففي نهاية المطاف من آخر هموم أيّ نظام سوري إستقرار لبنان، بينما من مصلحة الحزب توفير الاستقرار لبيئته وأهله وناسه، ويجب التوقف أمام التطوّر الذي أدخله الى نظرته ومقاربته للحيّز اللبناني والذي سيرتفع منسوبُه تدريجاً، لا العكس، وأقوى دليل مواقفه وممارسته منذ التسوية الرئاسية إلى اليوم.

وتنتهي هذه الشخصية الى القول إنه «لا يمكن تشبيه «حزب الله» بمنظمة التحرير ولا بالجيش السوري، وعلى اللبنانيين التوصل إلى مساحات مشتركة لاختلافاتهم، ولكنّ أهم شيء هو استبعاد التدخلات الخارجية من خلال إقفال الأبواب والنوافذ وترك اللبنانيين يتدبّرون أمورهم وشؤونهم وشجونهم».