آخر هموم الداعين الى الطائفية والتقوقع داخل المذاهب المغلقة، مسارعة خصومهم الى التشهير بدعواتهم وإدانتها كونها تقتل العيش المشترك. كأن المطلوب من أصحاب الطموح الأوحدي لتمثيل الطائفة، هو المزايدة في في إثارة الغرائز بغية كسب أكبر مساحة لدى القاعدة الشعبية.

لا يجد المريدون المتسربلون بالدعوة، حاجة الى التمحيص في مشاركة "العميل الكبير" و"الفاسد الأكبر" في حكومة واحدة وبرلمان واحد مع المقاومين الأبرار ورواد الإصلاح، وفي اقتسام الخصوم للمغانم بالتوافق حيناً وبالاستقواء أحياناً.

الإعتداد يصل إلى أوجه عندما تستحوذ طائفة المريد، على حصة الأسد من هذه المغانم، ويصله منها نذر قليل يرطب جفاف عوزه، ويوهمه بأن ما حصل عليه حق مكتسب لأنه ابن الطائفة المختارة.

لا يتردد هذا المريد الطامع بالجنة عند تبنّيه صحة اتهام "العميل الكبير" الذي نجا من محاولة اغتيال بسيارة فخخت في عرين الممانعة. لا ينتبه الى ان فعل الاغتيال لم ينفَّذ بسبب العمالة ولكن نتيجة رفض التطبيع مع النظام الاسدي والتمديد لأحد أبواقه.

كذلك لا ينتبه الى ان بعض حلفاء ممانعته كانوا من أهم العملاء، وربما لا يزالون. المهم التزام ما يتم ترويجه من شائعات واتهامات تؤدي ليس فقط الى الاستشراس في كره السياسي الخصم، بل كل ملّته ومن يدور في فلكه.

ولا يلاحظ ان تقاطع المصالح بين زعيم جماعته وزعماء الجماعات الأخرى، أشد مناعة من الكره المزروع في البيئات الحاضنة. والهدف من الاغتيالات وفائض القوة، هو الترويض لمزيد من الاستقواء والاستحواذ على مزيد من السلطة والمكاسب والتنكيل بالقوانيٍن والدستور. لكن لا بد من استحضار ما يفيد لتذكير البيئة الحاضنة بأن عليها اكثر فأكثر التمسك بانعزاليتها والتقوقع في ما هي عليه اكثر فأكثر، لأن هناك عميلاً كبيراً يتربص بها او فاسداً كبيراً يسرق طعام عيالها. فوجود هؤلاء الخصوم مفيد لتكريس الاصطفاف.

هكذا يغيب المنطق ويصعق من يعتمده لوجود من يعتبر ميشال سماحة ومتفجراته ضحية مخابرات اجنبية ارادت النيل من "سوريا الاسد".

او من لا يحاسب وزيراً تباهى علناً بأن ثروته هي نتيجة "شطارته"، مع انه في العام الماضي ادعى الطفر وساعدته وسيلة إعلامية لإظهار ديونه المصرفية وحساباته المكشوفة ومحدودية التركة التي اورثه إياها جدّه، ليتبين لمن يزور مدينته انه اشترى نصف عقاراتها خلال سنوات قليلة.

وفي حين نجح "حزب الله" بأن يجعل كل طائفة غارقة في اصطفافها ورفضها الاخر وسرعة تكفيرها ابن البيت إن شذ عن صراطها الذي لم يعد مستقيما بأي شكل من الاشكال، الا ان رفض الآخر انطلاقاً من هويته الدينية سابق على نشوء الحزب، فقد اشعل حرباً أهلية دامت 15 عاماً.

بالتالي، ليس الحزب وحده الطائفي والمذهبي، وإن كان الامهر والافعل في غسل عقول أبناء بيئته والاستثمار والاستقواء، لأن من يموله ويوجهه صاحب خطة مدروسة وذكية تتجاوز لبنان. ولا يمكن انكار ان نسبة لا يستهان بها من اللبنانيين تحولت طائعة الى التطرف المذهبي الحاد، ليصبح كل مواطن جلاد غيره وضحية غيره في آن واحد.

خلاصة الامر: المصالح المتقاطعة تقضي بعدم السماح لشرائح الشعب بالالتقاء حول قواسم مشتركة تشكل أرضاً لبناء وطن ودولة ومؤسسات.

خلاصة الامر: الوسطية ممنوعة من الحياة والصرف وتصريف علاقات اللبنانيين بعضهم ببعض.

النائبة #رلى_الطبش سارعت الى دار الفتوى لتنفي عن نفسها تهمة الانفتاح والقبول بالاخر الذي نعيش معه ونتشارك وإياه أمور العمل والطبابة والتعليم والشارع وكل مرافق الحياة. يجب ان يبقى الآخر آخر غريباً. واذا لم نشن عليه الحرب، فسوف يسبقنا الى شنها. لذا من الأفضل ان نتعامل معه في المرحلة الراهنة وفق الحاجة في انتظار الحرب المحتملة.

المحفزات متوفرة، كالمثالثة، لأن الطائفة الشيعية لم تعد من المحرومين ولن تسمح بعد اليوم باستمرار العمل بدستور لم يعد على قياسها. وكذلك حقوق المجتمع المسيحي التي يأكلها المسلمون في الوظائف والتعيينات، والاستضعاف الحالي للسنّة الذين لم يكن ينقصهم الا سنّة الثامن من آذار وبدعة #اللقاء_التشاوري الغارق في خط الممانعة والمستزلم لولاية فقيه يتاجر بالأقليات ليدعم أسس امبراطوريته، ورفض نتائج مبارات مجلس الخدمة المدنية لغلبة للمسلمين على المسيحيين عددياً، ورفض النزوح السوري وإبراز مساوئه الاقتصادية لأسباب طائفية.

مع الإشارة الى ان الطائفة والديانات من أساسها تبقى آخر هموم الزعماء الطائفيين الا بقدر استغلالها.

وبعد، تأتينا المطالبة بالدولة المدنية. جدياً هذه الطالبة تشكل أعلى درجات الإستخفاف بعقول اللبنانيين او بما تبقى من عقول. فهي للاستهلاك الفارغ من أي مضمون واقعي.

القاعدة الوحيدة المتبعة بكل دقة وأمانة هي: الوسطية ممنوعة. فكيف بالانقلاب الى دولة مدنية؟!