بعدما استنفد رئيس الجمهورية كل الوسائل المتاحة من اتصالات ومشاورات وترضيات وتنازلات لتسهيل عملية تشكيل حكومة وحدة وطنية تتصدى بالتعاون والتضامن في ما بين أعضائها مجتمعين للتحديات الكثيرة التي تواجه الوطن، داخلياً من خلال الوضع الاقتصادي الذي يكاد أن يتخطى الخطوط الحمر لولا العناية الإلهية، وإلى الوضع الاجتماعي الذي يشكو بدوره من أمراض العوز والفقر والبطالة وما إلى ذلك من أمراض أخرى سببها الشلل الحاصل في الدولة نتيجة غياب السلطة الاجرائية التي من أولى مهماتها التصدّي لكل هذه الأمراض واجتراع الحلول اللازمة التي تمنع سقوط الهيكل على رؤوس الجميع، ما الذي يمنعه من الاتصال فوراً بالرئيس المكلف تشكيل الحكومة والاتفاق معه على تشكيلة حكومية مستندين في اختيار أعضائها الى نتائج المشاورات والاتصالات التي أجراها الرئيس المكلف وأطلعه عليها كما يقضي بذلك الدستور المنبثق عن اتفاق الطائف ويصدر مرسوم التأليف لتنزل بعدها الحكومة المشكلة بالاتفاق فيما بينهما إلى مجلس النواب وتطلب ثقته وفق الدستور أيضاً بناء على بيان وزاري يتضمن خطة أو مشروع خطة لمعالجة الوضع الراهن بما يسمح لها بالعمل على النهوض بالبلد من عثراته، والانتقال من المرحلة الصعبة التي يمر بها إلى ما هو أفضل، وبما يقي العهد مخاطر الفشل التي اقتربت منه، أو اقترب منها.

قد يكون الجواب على هذا الطرح بأن التريث كان مقصوداً لتجنب الانزلاق إلى ما هو أخطر وفقاً للنظرية التي انوجدت بعد الطائف، والتي تقول بأن لبنان لا يُحكم الا بالتوافق، ولذا كان الحرص من رئيس الجمهورية، ومن الرئيس المكلف على تجنّب القيام بأية خطوة مناهضة لهذه المقولة لتجنب ما هو أعظم وأخطر من واقع الحال الذي لا يغيب عن ذهن رئيس الجمهورية ولا عن ذهن الرئيس المكلف، لكن المحاولات والمساعي والاسترضاء وكل الوسائل الأخرى التي مارسها رئيس الجمهورية ولجأ إليها الرئيس المكلف، أثبتت ان هناك فريقاً لا ينتمي إلى هذا المذهب من التفكير، ويصر على أن يكون هو الشريك الفاعل في تشكيل الحكومة لتأتي بما يتناسب مع مشروعه، ومع ارتباطاته الخارجية بدليل ما حصل مؤخراً أي بعد أن كادت الحكومة الموعودة أن تولد، من تأخير الولادة عبر طروحات جديدة، لم تكن واردة أصلاً في خريطة المعادلة المطروحة لحكومة الوفاق الوطني، أفلا يدل ذلك على أن هناك نيّة مبيتة لتفشيل العهد وليس لتفشيل الرئيس المكلف، وهذا أخطر ما يكون لأنه إذا فشل الرئيس المكلف يمكنه الاعتذار وتكليف سواه، إنما في حال فشل رئيس الجمهورية، فعلى العهد كلّه السلام، وعلى البلد أيضاً، لأنه اذا فشل العهد، تزداد المخاطر على البلد ويزداد حتى على الكيان الوطني برمته، ولو كان المقصود مما حصل هو إضافة وزير إلى الحكومة بصرف النظر عن أحقية هذه الاضافة لهان الأمر ولأمكن إيجاد تسوية ما، لكن الهدف من هذا الطرح هو أبعد من ذلك بكثير ويرمي إلى الانقلاب على كل الأعراف والتقاليد الموروثة عن الطائف ودستوره، وفرض تقاليد واعراف جديدة من شأن الإصرار عليها أن يذكرنا بالحرب الأهلية التي مرّ بها لبنان بسبب إصرار طائفة من الطوائف على الاستئثار بالسلطة وتجييرها لجهة واحدة لتبقى الجهات الأخرى في حالة اقصاء أو عزلة تامين. وعلى هذا، ولتجنب الوصول إلى هذا المأزق، على الرئيس أن يُبادر ومن دون أي تأخير إلى عقد اجتماع اليوم قبل الغد مع الرئيس المكلف وإصدار مرسوم الحكومة العتيدة، وإذا لم يحصل ذلك يصبح السؤال مشروعاً حول وجود قطبة مخفيّة.