ماذا ستنفع الإضرابات والمظاهرات مع الانهيار الكامل في بنية الدولة؟
 

دخل لبنان عامه الجديد 2019 بمزيد من التأزم السياسي والإجتماعي والمعيشي، وبدأ اللبنانيون عامهم بالفراغ على كل المستويات، فما يسمى بالعهد القوي مشغول بتحصيل المزيد من العضلات الفارغة على حساب الدولة والوطن كله، وما يسمى بالرئيس المكلف مشغول بالصمت بانتظار التسويات السياسية المستوردة من الداخل والخارج، وبانتظار هذا الحزب أو ذاك الزعيم أو ذلك الوزير لترتيب أولوياته وحصصه الوزارية.

وفيما البلد كله على كف عفريته الإقتصادي خرج علينا حاكم مصرف لبنان ليطمئننا من جديد عن الاستقرار النقدي وليخبرنا نحن الشعب المسكين بأن راتبه لا يتعدى الـ 25 مليون ليرة لبناتية فقط لا غير ليضيف على المشهد اللبناني المزيد من الكوميدية والتهكم، وكأن اللبنانيين أمام قدر محتوم لا هروب منه، قدر السلطة التي ما زالت تكذب على نفسها وعلى اللبنانيين جميعًا بعدما استقالت من أدنى مسؤولياتها تجاه ما يحصل وتجاه الإنهيار الشامل الذي تتعرض له البلاد.

إقرأ أيضًا: مظاهرات مطلبية أم عراضات إعلامية؟

الفراغ الحكومي، العهد المريض، النفايات السامة في البقاع التي تهدد أرواح المواطنين والتي أصبحت فضيحة، الإضراب، والمظاهرات الشعبية والمطلبية، الفوضى السياسية على كل صعيد، كلها عناوين نستقبل بها الاسبوع الاول من هذا العام لندرك أننا أمام أزمة حقيقية مستعصية حيث أضحى البلد كله على حدود التعطيل والمماطلة فيما تشتد وطأة الاستحقاقات الاقتصادية والمعيشية والإجتماعية دون أي أمل يلوح بالأفق ودون أي مبادرات للمعالجة التي تضمن الحلول اللازمة للأزمات، كل ما في الأمر أن الطبقة السياسية الحالية مشغولة بوزير اللقاء التشاوري وكأنه الوزير الذي سينقذ البلاد من هذه الدوامة، ولو كان الأمر كذلك لكنا انتظرنا بأمل، ولكن القضية ما زالت قضية تعطيل متعمد بتوافق كل الأحزاب وأصحاب السلطة بانتظار التسويات واكتمال صورة المصالح والحصص، فيما تغيب مصلحة اللبنانيين وقضاياهم عن أي اهتمام الأمر الذي يزيد الأمور تعقيدا على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية.  

إن الدعوات الخجولة للإضراب أو التظاهر وتحت العناوين التي يسوقها البعض لم تعد كافية لأن ما يحصل من تردي وانهيار وضع البلاد كلها في دائرة الخطر وبالتالي فإن المطلوب اليوم انتفاضة شعبية واسعة لتحرير البلاد من هذا الشر المتربص به شر الأحزاب والزعماء وأمراء الطوائف، لأن ما يحصل اليوم هو أسوأ بكثير من أي احتلال، لأن القبض على الوطن بهذه الطريقة من مجموعة لصوص بثياب الأمراء والرؤساء والوزراء والزعماء بات أمرا يستحق الجهاد لاستعادة الوطن وحقوقه المنهوبة من هذه المنظومة التي نهبت البلد وقدراته.

إقرأ أيضًا: بعلبك الهرمل الدولة أم الفوضى؟

وهم خرجوا علينا اليوم لتخويف الناس من الشارع من خلال التهويل بخطورة الشارع لماذا يتحدثون عن خطورة الشارع وخطورة الحراك الشعبي؟ أي خطورة بعد الانهيار الذي نشاهده في كل مؤسسات الدولة أي خطورة أكبر خطورة انهيار الوطن، يخافون الشارع لأن أي تحرك مطلبي أو شعبي هادف وواع سيهزمهم ويهزم مشاريعهم في استلاب الدولة ومؤسساتها.   

إن كل اللبنانيين أمام استحقاق استعادة الوطن من براثن هذه الذئاب ولن يستقيم الوطن ما دام هذا الشعب تحت وطأة الطائفية والحزبية والزعامات وهم مدعوون إلى عدم الإصغاء لأي تهويل وتخويف من الشارع لأن الشارع هو الذي يملك إرادة التغيير والإصلاح الحقيقي بعيدا عن الخداع والشعارات الفارغة.  

البلد يمضي نحو المجهول ولم تعد تنفع الإضرابات والمظاهرات والإعتصامات العفوية، وبالتالي فإن الأزمة ستبقى على حالها ما لم يكن هناك تحركات جدية واسعة تشبه الانتفاضة على كل هذا السائد بهدف التغيير الحقيقي والمنشود لاستعادة الوطن.