سرق ربطتيّ خبز ليُطعم أطفاله الأربعة... إذا سرق الفقير رغيف خبز ليأكله سقوه السمّ ماء.. ويسرق ذو الغنى أرزاق شعب برمته ولا يلقى جزاء
 

"زوجي موقوف لديك، وقد سرق ليطعمنا".. بهذه الكلمات توسلت والدة الأطفال الأربعة قاضي التحقيق في طرابلس لإنقاذ زوجها الموقوف بعدما لم تتمكن سوى من جمع 200 ألف ليرة من الكفالة لإطلاق سراح زوجها".

وفي التفاصيل، "أوقفت القوى الأمنية شابًا بتهمة سرقة ربطتي خُبز وزجاجة بيبسي في طرابلس، إضافةً إلى تغريمه مبلغ 300 ألف ليرة".

ما استفزني في الأمر ليس السرقة في حد ذاتها، فالبلد كله مسروق وحتى الإنسانية، إنما المؤلم أنه عندما يسرق أب ربطتي "خبز"، فهذا يعني أنه لا يملك ما يسد جوع أولاده، وقد أُغلقت جميع الأبواب أمامه حتى يد المساعدة، ربما رفض هذا الرجل التوسل أو الذل لطلب الطعام فأخطأ وسرق طعاماً بسبب الجوع والعوز، فكان مصيره السجن في الوقت الذي يسرح ويمرح أكبر اللصوص اللبنانيين!!

هي حادثة عرضية وبسيطة بالنسبة للكثيرين، لكن هذه البساطة تحمل في تفاصيلها شرحًا مفصلًا عن الحالة الإقتصادية والإجتماعية المتردية التي بتنا نعيشها، بحيث وصلنا إلى حالة أن "يسرق الإنسان خبزًا ليأكل"!! وهذا الإنسان هو أب سرق من أجل أطفاله!!

إقرأ أيضًا: الإنهيار قادم في لبنان ... إغلاق مؤسسات تجارية ومديونية مرتفعة

فأوضاعنا الإقتصادية غدت متردية، والحالة المعيشية بـ "الويل"، حتى باتت أحوال اللبنانيين من سيّء إلى أسوأ.

وفي هذا السياق، يحضرني هنا مقولة الأديب المصري "مصطفى المنفلوطي" حيث يقول في هذا الموضوع: "إن الفقر يدفع إلى الجرائم والقتل وارتكاب السرقات وأنا أقول إننا لو استطعنا أن نفهم الجريمة بمعناها الحقيقي وألا نخدع بصور الألفاظ وألوانها فإن للأغنياء جرائم كجرائم الفقر بل أشد منها خطرًا وأعظم هولًا.

فإن كان بين الفقراء اللصوص والقتلة والعيارون وقاطعوا الطريق، فبين الأغنياء المحتالون والمزورون والمغتصبون والخائنون وأصحاب المعامل والشركات الذين يغذون أجسامهم بدماء عمالهم والتجار الذين يسرقون من الأمة في شهر واحد بإسم الحرية التجارية ما لا يسرقه منها جميع لصوص البلد وعيارون في سنة كاملة".

إذًا.. "ما أكثر اللصوص السياسيين في بلدنا، الذين لا يجد القضاة نصًا قانونياً يعاقبونهم بمقتضاه، بينما يجدون نصوصًا كثيرة لفقير سرق رغيفًا، فسرقة رغيف عندنا أهم من سرقة خزينة الدولة التي يملأها اللبنانيين من جيوبهم".