يتأرجح لبنان بين موقفين. التقاطع بينهما هو الذي سيفضي إلى ولادة الحكومة. التطورات الحاصلة في سوريا، قابلة لأن تنعكس بشكل إيجابي على عملية التشكيل. بمعنى أن النظام السوري وإيران، واستناداً إلى التقدّم الذي يحرزانه في سوريا، قد يؤدي إلى تسهيل تأليف الحكومة في لبنانن طالما الكفة ستكون راجحة لصالحهما فيه. يضغط النظام السوري وحلفاؤه في سبيل البت بشأن مسألة توجيه الدعوة إلى سوريا لحضور القمة الاقتصادية العربية والمشاركة فيها. أما الموقف المقابل، فهو إشارات عربية وصلت إلى لبنان، مفادها أن بعض الدول لن تشارك بالقمة في حال عدم تشكيل الحكومة، وفي ظل حكومة تصريف الأعمال. وبالتالي، هذا الأمر قد يؤدي إلى الإطاحة بالقمة، أو تخفيض مستوى التمثيل. ما يعني إفشالها.

الأسد في بيروت؟

بعض القوى المناهضة للنظام السوري، تعتبر أن النظام يضغط إلى أبعد الحدود، بالإستناد إلى تعاون بعض اللبنانيين والعراقيين والجزائريين وغيرهم، في سبيل إعادة النظام ليأخذ مقعد سوريا في الجامعة العربية. أي خطوة من هذا النوع، ستكون بحاجة إلى اجتماع لمجلس وزراء الخارجية العرب. فهو المخول في بت إعادة سوريا إلى الجامعة العربية. وهذا الاجتماع سينعقد قبل يوم واحد من إنطلاق فعاليات القمة الإقتصادية العربية في بيروت. وبالتالي، ليس من المؤكد أن تتم هكذا خطوة خلال 24 ساعة، ويتم فيها توجيه الدعوة إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد للحضور إلى لبنان، والمشاركة في القمة.

بين تلك المعادلتين، استؤنف الحراك الحكومي، وأعيد تفعيل الاتصالات بين القوى، بعد ترميم العلاقة بين كل من حزب الله والتيار الوطني الحرّ، وبين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون. ووفق منطق الاستثمار بالوقت الضائع، وانتظار ما ستؤول إليه الاتصالات العربية، لحسم الموقف من مسألة إعادة سوريا إلى الجامعة، وتوجيه الدعوة لها، يستمر البحث لبنانياً عن مخرج للأزمة. في هذا السياق، تكشف مصادر متابعة عن صيغة جديدة يتم التداول بها، عنوانها أن يتم إختيار وزير يمثّل نواب اللقاء التشاوري الستّة، ويكون من حصة رئيس الجمهورية، لكن بشرط أن لا ينتمي إلى كتلة يترأسها الوزير جبران باسيل. يعني ذلك الفصل بين حصة رئيس الجمهورية الوزارية وحصة التيار الوطني الحرّ، فيحضر الوزير السني اجتماعات كتلة عون الوزارية، ولا يشارك في اجتماعات تكتل لبنان القوي (والفصل بين عون وباسيل واه، إن لم يكن وهمياً). مع ذلك، هناك من يشير إلى أن باسيل سيرفض ذلك مجدداً، وسيتمسك بمبدأ أن ينتمي الوزير لتكتل لبنان القوي، ويكون ممثلاً للقاء التشاوري في هذا التكتل، على غرار الطاشناق، أو الصيغة التي كانت متبعة بين تكتل التغيير والإصلاح والنائب طلال إرسلان سابقاً.

الحزب في سوريا والنظام في لبنان

ربما الحلّ أصبح جاهزاً، والمخرج سريع الوجود، لكن بلا شك هو يرتبط بمسار التطورات الإقليمية، وبخاصة من خلال ربطه بملف سوريا، وموقف النظام من القمة الإقتصادية. فإذا ما نجح النظام في فرض عودته إلى الجامعة، يكون قد عزز موقفه، وهذا سيكون على حساب القوى المناهضة له، أما بحال عدم توجيه الدعوة له، فسينعكس ذلك تشدداً من قبله في مرحلة ما بعد القمّة، وهذا سينعكس على الحكومة كما على غيرها من الملفات.

المسار واضح، ويشير إلى استعداد النظام السوري لعودة قوية إلى لبنان. ليثبت ولو معنوياً منطق استعادته لذاته ولهيبته، وتحقيق ما يريد تحقيقه هنا. وهذا كله سيكون تحت سقف إيران وحزب الله، لاسيما أن ما حققه النظام في سوريا، مثل بالدرجة الأولى انتصاراً للحزب وإيران وروسيا، وبما أنه الطرف الأضعف داخل سوريا في ظل هذه المعادلات الإقليمية، فهو سيسعى - بلا شك - إلى إثبات قوته لبنانياً، بالاستناد إلى دعم الحزب، الذي سيبقى بحاجة إلى موقف إيجابي من النظام تجاهه في الداخل السوري، لأن مسوغات الحزب وإيران لوجودهما في سوريا، تختزل بمقولة أنهما هناك بناء على طلب من الحكومة السورية. 

بمعزل عن تشكيل الحكومة أو عدم تشكيلها، فإن المسار أصبح واضحاً، والنظام لم يكتف بإصدار "لائحة تمويل الإرهاب" التي شملت أسماء مسؤولين لبنانيين بينهم رئيس حكومة، في مقابل صمت مطبق من قبل اللبنانيين على هذه اللائحة، وهذا يؤشر لما ستكون عليه الأوضاع في المرحلة المقبلة. بل أن جشع النظام يذهب في اتجاهات أكثر بعداً، وتفصيلاً، تصل إلى حدّ بعث رسائل مباشرة للحريري، تقضي بوجوب تحييد بعض الأشخاص في فريق عمله، "من الذين ورطوه في سوريا"، أو الذين لديهم مواقف "عدائية" تجاه النظام. ومن يعرف طريقة عمل النظام السوري، يفقه أن هكذا إشارات، ولو لم تصدر بشكل مباشر، ولا عن رسميين مرتبطين به، لن تكون عابرة، وغالباً ما يكون لها تبعات قاسية. قد يبدأ وضوحها في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة.