منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، يخيّم الهدوء على «التيار الوطني الحر». أقلّه هكذا تبدو الصورة من الخارج. وحدها الحركة التنظيمية التي يقودها رئيس الحزب جبران باسيل، تحتل الواجهة: إنتخابات على مستوى مجالس الأقضية والمجلس السياسي، تعيينات هيئات الأقضية وتعاميم ناظمة للوضع، أو بالأحرى ضابطة له... أما غير ذلك فلا ضجيج يُذكر.
 

قبل أيام من انتقال مؤسس التيار «البرتقالي» و«أبيه الروحي» إلى بعبدا، كانت مجموعة من المعارضين في صدد تنظيم حراكها الداخلي بعد مرحلة من «المواجهات» العابرة لجدران مواقع التواصل، على أثر موجة إقالات سجلتها القيادة في حق منتقديها عبر وسائل الإعلام التقليدي والاجتماعي. وحتى «الواتساب».

إلّا أنّ جلوس زعيم «التيار» على كرسي الرئاسة حال دون مضي المعارضين في مشروعهم التنظيميّ، مع أنّ أولى خطواته كانت قد اتخذت وخطة التحرّك كُتِبت. لكنّ القيّمين على تلك الحركة فضّلوا التريّث والبقاء في الظل، والاستفادة من الوقت الفاصل لمراقبة التطورات داخل «التيار» وخارجه.

عملياً، لن تكون أيُّ حركة اعتراضية تولد من رحم الحزب لتعمل داخله أو في موازاته، بنت ساعتها، بعدما واجه النظام الداخلي جولات مدّ وجزر وموجات كثيرة من التعديلات قبل رسوّه على نسخته الأخيرة التي فجّرت جبلاً من الخلافات. وهي نتيجة تراكمات جمّة تجاوزت الخطوط الحمر، وكان لا بدّ من قرار مفصلي يعبّر عن انطلاقة جديدة لا عودة عنها. 

هكذا، تستعد مجموعة من القيادات العونية من رعيل المؤسسين لكودرة نفسها، بعدما تمكّنت خلال المرحلة الفائتة من الحفاظ على الحدّ الأدنى من التواصل ولم تسمح للتباينات في التغلّب على التفاهمات، لأنّ ما يجمعها أكبر ممّا يفرّقها، ولأنّها متوافقة على الهدف.

خلال الأشهر الماضية تكثّفت اللقاءات بين أركان هذه المجموعة مع انضمام عدد من ضباط الجيش المتقاعدين ممَّن رافقوا عون عن كثب في مسيرته العسكرية، وراحوا يسجّلون الملاحظات والانتقادات على أداء قيادة «التيار» بسبب التقلّبات في سياستها، بعد الإنتقال من صفوف المعارضة إلى صلب السلطة الحاكمة.

وفي هذا السياق عُقد اجتماع موسّع منذ أكثر من أسبوعين ضمّ أكثر من 55 كادراً عونياً ناقشوا خلاله الوضع الراهن وما آلت إليه الأمور في «التيار» بعد «فرض النظام الداخلي الذي حذّرنا من تسخيره وتحويله الى رزمة صلاحيات مطلقة بيد رئيس الحزب، بنحو يقضي على دينامية التيار التفاعلية، وانحراف الحزب عن المسار الذي نشأ عليه والتي تجسّدها مبادؤه والشرعة التي توثّق ولادته»، كما يرى هؤلاء.

عملياً، يُعتبر الاجتماع بمثابة المحطة الأولى لقطار هذه الحركة الاعتراضية التي تتناغم في أفكارها وطموحاتها مع شريحة كبيرة من الملتزمين ممَّن يحملون البطاقات الحزبية البرتقالية. تعرف قيادة الحزب جيداً أنّها عاجزة عن إقناع جميع العونيين بأدائها، السياسي والتنظيمي، وأنّ المعترضين ليسوا قلّة. كلّ ما فيه أنّ هؤلاء المحازبين يفضّلون إصلاح حال «التيار» بلا ضجّة أو تعريض الحزب لمزيد من الاضطرابات. ولكن من السهل محاكاتهم بخطاب معارض يدغدغ وجدانهم.

هكذا وضع اجتماع المعارضة خطته للتحرك للمرحلة المقبلة على أساس ثلاثة محاور: التحرّك في اتجاه الحالة العونية. التحرّك في اتجاه ناشطين حزبيين معترضين من تيارات وأحزاب تتناغم سياسياً مع أفكارهم. التحرّك في اتجاه أفراد ومجموعات مدنية مستقلة يتشاركون معها الآراء، خصوصاً في ما يتعلق بمكافحة الفساد.

أما لماذا قررت هذه المجموعة التحرك في هذا الوقت بالذات؟ فيقول أحد كوادرها الأساسيين: «تكفي النتائج التي سجلتها صناديق الاقتراع لدفع أيّ حريص على تاريخ «التيار» وشهدائه ونضالات شبابه، إلى دق ناقوس الخطر ومواجهة الواقع المتردّي. ونحن أمّ الصبيّ». ويضيف: «إن التراجع الشعبي يقارب حدّ الإنهيار ولا بدّ من حركة عكسية. في المقابل، فإنّ تمادي القيادة في أدائها المؤذي لعهد رئيس الجمهورية والمدمّر لإرثه، يزيد من حالة الترهل والتباعد بين الرأس والقاعدة، فالمحازبون موجودون في الجسد داخل الحزب لكنّ روحهم في غربة. كما باتوا يشعرون باليُتم داخل مجتمعهم فيما انتفت حجّتُهم للإقناع».

أمّا بالنسبة الى العلاقة مع «التيار الوطني الحر» كحزب، فيقول: «صار «التيار» مسؤولية الحزبيين ولا سيما منهم أولئك الموجودين في الصفوف الأمامية من نواب وقياديين فقدوا روح النضال وباتوا أمام احد خياريْن: إمّا التمسّك بمواقعهم ومصالحهم، وإمّا العودة إلى الناس لحماية مصالحها».

اذاً، يمكن القول إنّ الحركة الاعتراضية انطلقت وهي في صدد التحضير لإطلالات إعلامية مكثّفة ضمن خطة تصاعدية مواكِبة للتطورات السياسية والأحداث.