لا يمكن، بأي حال، فصل الواقع الثقافي عن السياسي في بلد كالعراق، فمعظم ما اعترض طريق الثقافة في 2018 أو عرقل أنشطتها كان بسبب هذا الواقع، فالبلد الذي يواجه صعوبات في تشكيل حكومة، من المؤكّد أن الثقافة لن تكون فيه على أحسن حال.

معلوم أن الثقافة في العراق تخضع مثل غيرها من القطاعات إلى نظام المحاصصة الحزبي والعشائري، وكادت الحقيبة الوزارية أن تكون من نصيب "حركة صادقون"، حيث جرى ترشيح حسن طعمة للمنصب لكن رفضه البرلمان، لتحسم المسألة مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي لصالح عبد الأمير الحمداني، الذي تسلّم الحقيبة، وكانت أولى تصريحاته "محاربة الفساد في الوزارة".

السياسة تحضر أيضاً من خلال رفع الرسوم الجمركية على الكتب المستوردة بنسبة ارتفعت من 1% في 2017 إلى 15% مع القرار الصادر في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وما تزال الاحتجاجات مستمرة بين أوساط الناشرين والجهات الثقافية ضد هذا القرار، وقد أعلنت مجموعة "السياسات الثقافية" نية التوجه إلى الوزارة ودائرة الجمارك لتوسيع دائرة الاحتجاج والوصول إلى حل عملي، لا سيما أن "معرض بغداد الدولي للكتاب" سيُعقد في شباط/ فبراير المقبل.


لكن، في 2018، عرفت بغداد دورة بدت ناجحة إلى حد كبير من معرضها الدولي للكتاب ما أعاد الضوء إليها بعد أن خبا بريقها الثقافي لسنوات، وبعد تأجيل "أربيل للكتاب" عدة أشهر لأسباب سياسية قادت إلى إغلاق المطار، إلا أنه عاد وانعقد في الخريف الماضي.

وفي مقابل غياب الدعم الرسمي للثقافة، وتقاعس المؤسسات الرسمية عن رفد الأوساط السينمائية والمسرحية بالدعم، عاشت الثقافة على سلسلة من المبادرات الفردية وجهات غير حكومية، فقدم المسرحي جواد الأسدي بعد عقود من الغياب عرضاً في بغداد بعنوان "تقاسيم على الحياة"، وقدّم ياسين الكعبي مسرحية "الأقوى"، وأقيم مهرجان "بغداد لمسرح الشارع" لأول مرة في "المتنبي"، كما انطلقت في بغداد الدورة الثانية من تظاهرة "شارع المتنبي يبدأ هنا". على صعيد آخر، نشطت مؤسسات مستقلة تستقطب الإبداع الشبابي وتوفر منصّات وورش عمل لمختلف أشكال الفنون من بينها "بيت تركيب" و"المحطة" و"عناوين" و"دار معنى" و"مركز باليت".

في سياق آخر، وعلى الرغم من التعهد الأميركي بإعادة الآثار العراقية المنهوبة، بيعت جدارية أشورية يعود عمرها إلى قرابة ثلاثة آلاف سنة بالمزاد في نيويورك، وفشلت وزارة الثقافة العراقية في إقناع "الخارجية" باتخاذ إجراءات لإيقاف البيع.

أخيراً، خسر الوسط الثقافي العراقي هذا العام عدة أسماء وازنة، فرحل المفكّر فالح عبد الجبار، والروائي سعد محمّد رحيم، والباحث قاسم محمّد عبّاس، والفنّانون طه سالم وشفيق المهدي وسحر طه، والمخرجان المسرحيان عبد المطلب السنيد وإسماعيل خليل أمين، والكاتبة ديزي الأمير، والموسيقيان طارق حسون فريد وعبدالحسين السماوي، والشاعران عريان السيّد خلف وجمعة الحلفي، ورسّام الكاريكاتور عبد سلمان البديري.