لماذا لا يمنع العهد إعادة توزير الفاسدين ولا يفضحهم أمام الرأي العام ؟
 
 
عامان ونيّف مرّا على إنتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد معارك سياسية قاسية خاضها مع خصومه السياسيين في البلد ، إستطاع الإنتصار في معظمها وتتويج ذلك بالوصول إلى قصر بعبدا بدعم قوي من حليفه الأساسي حزب الله .
 
في هذه المعارك لم يُوّفر العماد عون أي وسيلة سياسية إلا وإستخدمها للوصول إلى هدفه ، وطرح برنامج سياسي كان عنوانه الأساسي " الإصلاح والتغيير " ، منذ عودته من منفاه الباريسي في ٢٠٠٥ حتى إنتخابه رئيساً للجمهورية .
 
بالطبع ، طُرحت عناوين أخرى في مسيرة عون السياسية بعد ٢٠٠٥ كان أبرزها " إستعادة حقوق المسيحيين " ، لكن التيار الوطني الحر كان حريصاً على إظهار  رؤاه السياسية والإقتصادية أنّها المُنقذة للجمهورية ، وأن مجرد وصول زعيمه إلى قصر بعبدا ، هذا سيُعطي دفعاً قويّاً لعملية الإصلاح ومكافحة الفساد في البلد .
 
وكان واضحاً في أدبيات التيار اليومية الربط بين مشروع بناء الدولة الحقيقية ومكافحة الفساد وبين إنتخاب ميشال عون رئيساً الجمهورية ، فالهدف الأول لن يتحقق إلا بإنتخاب الثاني . ومردّ الأمر لدى التيار ، أن المسيحيين بعد إتفاق الطائف تعرّضوا للظلم وإنتُهكت حقوقهم وأصابهم الغبن ، ما أدّى إلى إختلال في التمثيل السياسي بين الطوائف إنعكس هيمنةً من قبل قوى طائفية معيّنة على أخرى ، ترافق ذلك مع منظومة  علاقات سياسية وُصمت بالفساد والرشاوى للتغطية على هذا الإختلال وإدارة البلد. 
 
هذه الفلسفة العونية لمرحلة ما قبل ٢٠٠٥ كان لا بد من تصحيحها عبر إيصال عون إلى رئاسة الجمهورية ، فوحده الجنرال قادر على تصحيح التمثيل ومكافحة الفساد وبناء الدولة الحقيقية .
 
تمّ الأمر بعدها ، إنتُخب عون رئيساً، ومرّ عامان ونيّف على ذلك الحدث والأمور تزداد سوءاً ، ونحن اليوم أمام تقارير تتحدّث عن إنهيار قادم وبالأمس وزير المالية حذّر من أن الأزمة قد تتحوّل من إقتصادية إلى مالية ونقدية .
 
 
بالطبع ، لا يتحمّل العهد وحده مسؤولية ما يحصل وحصل ، فالكل له سهم في ذلك من دون إستثناء ، لكن مسؤولية العهد الكبرى أنه لم تصدر منه أي إشارة جادّة حتى الآن حول مكافحة الفساد ولم تُقدّم مشاريع ولا إستراتيجيات واضحة حتى الآن حول كيفية بناء الدولة الحقيقية والعادلة .
 
وإن كان الكل غاطس في المحاصصة الطائفية والفساد في البلد ، فإن السؤال التاريخي والوطني يُطرح على العهد أولاً ، وهو ماذا قدّم من مشاريع حقيقية وأفكار لبناء الدولة ومكافحة الفساد ؟
 
للأسف ، بدل أن يذهب العهد نحو هذا الخيار ، إنغمس أكثر في المحاصصة الطائفية ، وبدل أن يُطالب بحكومة منتجة تكون ثمرة طيبة لعهده ، ذهب للمطالبة بحصص خاصة به ، وهذه رؤية سياسية ضيّقة لا تُبشّر بمكافحة الفساد ولا بناء الدولة الموعودة .
 
اليوم قد يسأل البعض أن العهد غير مسؤول عن الفساد ، وثمة من أفسد في هذه البلاد منذ أوائل التسعينات ! 
 
إذاً ، لماذا يُصرّ العهد على التحالف مع هؤلاء ولماذا لا يُسمّيهم ؟ لماذا لا يحاسبهم ؟ لماذا لا يمنع إعادة توزيرهم ولا يفضحهم أمام الرأي العام ؟ لماذا لا يكشف ملفاتهم على العلن ويُحرجهم أمام اللبنانيين ؟
 
هذه الأسئلة وغياب الأجوبة عنها أو محاولة تبرير ذلك بالفتنة الداخلية ، كلّها تُعطّل جدوى إنتخاب العماد عون رئيساً والذي كان بالأساس لأجل فعل ذلك .
 
بالمحصّلة ، ونحن نودّع العام ٢٠١٨ ونستقبل ٢٠١٩ ، لا يمكننا الإستنتاج إلاّ أن العهد مُقصّر في تنفيذ وعوده وغايات إنتخابه ، وعليه مسؤولية تاريخية في محاسبة المقصّرين ومعاقبة الفاسدين من الأقربين والأبعدين ، ليكون على قدر تطلعات وآمال اللبنانيين