تعدّدت الأسباب لكنّ التمديد كان واحداً. 3 كؤوس مرّة تجرّعها اللبنانيون قبل أن يسمح لهم أهل «الحلّ والربط»، في الوقوف أمام صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم واختيار ممثليهم إلى الندوة البرلمانية.
 

إضطرّ الناخبون لانتظار 8 سنوات من «التصحّر الديموقراطي» قبل الاقتراع لسلطتهم التشريعية، «أمّ السلطات» حسب النظام اللبناني البرلماني. ولكن هذه المرّة، كانت غير كل المرّات السابقة. ميزانها، لا بل معمودية نارها، النظام النسبي.

في 31 أيار عام 2013 انتهى العقد التشريعي الأول ولم يتوصّل النواب إلى قانون للانتخاب، فقدّم النائب نقولا فتوش اقتراح قانون للتمديد لمجلس النواب سنتين «لمنع الحرب وإبعاد الفتنة والأزمات الخطيرة». وحصل التمديد سنة و5 أشهر لا سنتين.

في 5 تشرين الثاني من عام 2014 نجح النواب في إعداد التمديد لأنفسهم لسنتين و7 أشهر، مع أسبابه «الموجبة القاهرة» في جلسة تشريعية حضرها 97 نائباً، فصوَّت النواب على التمديد مع اعتراض نائبي الطاشناق آغوب بقرادونيان ووزير الطاقة ارتيور نظريان.

في 14 حزيران من عام 2017 التأم مجلس الوزراء واتفق على قانون انتخاب قسّم لبنان 15 دائرة وفق النظام النسبي، وعلى التمديد التقني لمجلس النواب لمدة 11 شهراً ريثما يتسنى إكمال التجهيزات المرافقة للانتخابات ومنها البطاقة الممغنطة.

من هناك هَبّت رياح التغيير. تغيير بقي محدوداً، لم يطل إلّا كوتا أحجام القوى السلطوية. الضيوف الاستثنائيون كانوا قلة نادرة في برلمان 2018. وحدها الدائرة الأولى في بيروت نجحت في تحقيق فوز يتيم من لائحة المعارضة. أما بقية المناطق فتقاسم أهل السلطة الفوز على كافة المربعات الطائفية.

لا تكمن أهمية هذا الاستحقاق المؤجّل منذ 5 سنوات في النتائج المباشرة لصناديق الاقتراع، خصوصاً وأنّها لم تبدّل كثيراً في مشهدية «بطولة» برلمان 2018، ولكن في تكريسه نظام النسبية، الذي من شأن مفاعليه أن تظهر على دورات متلاحقة، قد تغيّر في مشهد توازنات المجلس.

كما تكمن أهميته في كسر منطق المحادل التي كانت تحكم بواسطة «قبضة» النظام الأكثري، وفتح الباب أمام تعددية سياسية يفترض أن تتسلل إلى كل البيوت المذهبية والطائفية، ولو بعد حين.

وعلى رغم موجة الاعتراضات التي شهدتها الساحة الداخلية رفضاً لسمّ التمديد الذي دسّ في عروق الديموقراطية الانتخابية، وعلى رغم قدرة النظام النسبي، المثبتة رقمياً، في تجييش الناخبين وحملهم إلى صناديق الاقتراع، إلّا أنّه فشل أمام النموذج اللبناني في رفع نسبة المشاركة، كدليل حسّي على حالة «القرف» التي تصيب الناخب اللبناني وعجز القوى الساسية كافة، موالية ومعارضة في إقناع الرأي العام بخطابها.

ما يزيد من حدة التساؤل هو ملامسة رقم المرشحين عتبة الـ600 موزّعين على المقاعد الـ128 ضمن 15 دائرة انتخابية، لكن هؤلاء جميعاً سقطوا في امتحان استقطاب الناخبين غير المقولبين في قوالب الأحزاب ومن يشبهها، حيث بلغت نسبة المشاركة 49,20% بينما بلغت 54% في انتخابات 2009. وقد تنافس 597 مرشحاً، بينهم 86 امرأة، منضوين في 77 قائمة، للفوز بأصوات 3,7 ملايين ناخب مسجلين على لوائح الشطب.

هكذا دخل، يوم 23 أيار 2018، 63 نائباً جديداً مجلس النواب في حين حافظ 49 نائباً على مقاعدهم من دورة العام 2009. وهناك 16 نائباً كانوا في المجلس في الدورات التي سبقت العام 2009. ومن ضمن النواب الـ16 الذين عادوا إلى المجلس، نائب واحد فقط كان في المجلس النيابي في العام 1972 وهو النائب ألبير منصور، الذي لم يفز بأيّ من الدورات الانتخابية في مرحلة ما بعد اتفاق «الطائف».

بالتفصيل، حصد الثنائي الشيعي 26 مقعداً شيعياً من أصل 27 مقعداً مخصصة للطائفة، وأضاف إليها مقاعد من طوائف أخرى. نجح «التيار الوطني الحر» في رفع عدد كتلته بنائب عن العام 2009 وباتت الكتلة تضم 22 نائباً، أما كتلة حزب «الطاشناق» فرفعت حصتها مقعداً واحداً.

تيار «المستقبل» كان الخاسر الأكبر. فكتلة «لبنان أولاً» كانت تضم 41 نائباً، من بينهم 30 من المنتمين إلى «التيار». أما اليوم فقد باتت تتألف من 20 نائباً فقط. وتراجعت كتلة الحزب «التقدمي الاشتراكي» بمقعدين.

ضاعفت كتلة «القوات» عدد نوابها من 8 إلى 15. بينما لم يستطع حزب «الكتائب» المحافظة على مقاعده الخمسة السابقة، وباتت كتلته تضم 3 نواب.

خرج تيار «المردة» بعدد المقاعد نفسه التي كانت لديه في السابق، رفعت كتلة الحزب «القومي السوري الاجتماعي» تمثيلها بنائب عن السابق. 

ثاني أكبر الفائزين بعد «القوات» هو الرئيس نجيب ميقاتي حيث بات لتيار «العزم» 4 نواب. واستطاع فيصل كرامي دخول البرلمان مع فوز لائحته بمقعدين.

في المحصّلة العامة خرج تحالف الثنائي الشيعي ممثلاً عملياً بـ31 نائباً، يضاف إليهم بعض الحلفاء من بعض قوى 8 آذار، ما يؤدي إلى تشكيل تحالف مؤلف من 42 إلى 45 نائباً في حال انضَمّ إليهم بعض الفائزين المنفردين. فيما تمكّن «التيار الوطني الحر» من تشكيل تكتل نيابي «موالٍ للعهد» مؤلف من 29 نائباً بعد انضمام «الطاشناق» والوزير طلال ارسلان وبعض المستقلين إليه، ويصبح صاحب أكبر كتلة نيابية بعد الثنائي الشيعي.

بناء عليه، وضعت معايير تأليف حكومة ما بعد الانتخابات. إحتكم صانعوها، وتحديداً أولئك الذين من فريق الثامن من آذار، إلى النظام النسبي لتحديد أحجام المشاركين في السلطة التنفيذية، فيما حاول الفريق المقابل الإبقاء على القواعد السابقة. هكذا، لا تزال حكومة سعد الحريري لا معلقة ولا مطلقة.