لا يمكن القول إنّ العام 2018 شهد إنجازات على المستويَين المالي والاقتصادي، لأنّ معظم الأحداث والتطورات تصب في خانة الخيبات. من ارتفاع بنية أسعار الفوائد الى أزمة الإسكان وصولاً الى خفض النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني الى سلبية. وحتى مؤتمر «سيدر» وهو نظرياً ًإنجاز، إلّا أنّ علامات استفهام تحيط بإمكانية تنفيذه...
تتّجه بنيةُ الفوائد الى مزيد من الارتفاع بعد المسار الصعودي الذي بدأته إبان استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري أواخر العام 2017، بما سيزيد الضغوطات على الوضعين المالي والاقتصادي، ويخفّف من نسبة الإقراض الى القطاع الخاص بما يعني المزيد من الجمود في النموّ وفي الحركة الاقتصادية بشكل عام.
 
فقد أوصت جمعية المصارف اللبنانية في تشرين الثاني 2018، البنوكَ التجارية برفع الفائدة المرجعية في سوق بيروت Beirut Reference Rate (BRR) بالدولار الأميركي الى 8,2 في المئة في كانون الأول المقبل من 7,9 في المئة، وبرفع الفائدة المرجعية بالليرة اللبنانية الى 11,5 في المئة من 10,7 في المئة. 
 
وكانت جمعية المصارف بعد أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري في تشرين الثاني 2017 قد أصدرت تعميماً في ضوء التطورات الحاصلة في سوق الفائدة وكلفة الودائع، برفع معدل الفائدة المرجعية في سوق بيروت مئتي نقطة أساس، وهي نسبة اعتُبرت كبيرةً مقارنة بالتعديلات الروتينية الطفيفة والتي لا تُذكر على معدل الفائدة المرجعية. وارتفعت الفائدة المرجعية حينها، لليرة اللبنانية (BRR-LBP) الى 10,65 في المئة بدلاً من 8,65 في المئة.
 
وتسعى جمعية المصارف عبر رفع الفائدة المرجعية الى مواكبة رفع أسعار الفوائد عالمياً، والاهم من ذلك، تطبيق سياسة مصرف لبنان الهادفة الى المحافظة على استقرار سعر صرف الليرة وجذب الودائع والحرص على عدم خروجها من لبنان في ظلّ الظروف الحرِجة التي يمرّ بها الاقتصاد، خصوصاً بعد ارتفاع عجز الموازنة الى 6 مليارات دولار والعجز في الحساب التجاري الى 17 مليار دولار، ما بات يفرض ضغوطات على معدلات الفوائد وعلى إمكانات التمويل الداخلية.
 
أما في شقِّ جَذب الودائع، فيشهد القطاع المصرفي منافسةً شرسة بين المصارف أدّت الى بلوغ الفوائد نسبة 16 و18 في المئة على الودائع بالليرة اللبنانية.
«سيدر» 
 
في نيسان 2018، حصل لبنان من المجتمع الدولي على قروض ميسّرة وهبات مالية بنحو 11 مليار و800 مليون دولار، خلال مؤتمر سيدر لدعم الاقتصاد اللبناني الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومشاركة 41 دولة وعشر منظمات دولية على رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وعدد من الممثلين عن القطاع الخاص والمجتمع المدني. 
 
 
 
وقد تضمّن مشروع لبنان تحت إسم «البرنامج الاستثماري الوطني للبنى التحتية» خطة من ثلاث مراحل، حيث تتضمّن المرحلتان الأولى والثانية مجموعة مشاريع في قطاعات البنية التحتية التي يسعى لبنان إلى تمويلها من القروض الجديدة أو عبر الخصخصة والشراكة مع القطاع الخاص.
 
تمتدّ المرحلة الأولى من 2018 إلى 2021، والمرحلة الثانية من 2022 إلى 2025، وتصل كلفتهما الإجمالية نحو 17.253 مليار دولار، تشمل كلفة استملاك الأراضي بقيمة 1.7 مليار دولار. أما المرحلة الثالثة (2026-2030) فهي تتضمّن المزيد من المشاريع بكلفة إضافية تصل إلى 5.7 مليارات دولار.
 
وتعهّدت الحكومة اللبنانية في مقابل الدعم الذي حصلت عليه بخفض العجز في الموازنة بنسبة 5 في المئة على مدى 5 سنوات.
 
أزمة الإسكان
في تموز 2018، اعلنت المؤسسة العامة للإسكان في لبنان، وقف قبول أيّ طلب قرض سكني جديد حتى إشعار آخر، على خلفية النقص في التمويل المخصّص للقروض السكنية المدعومة.
 
وبلغ عدد القروض المُوافق عليها في الأشهر الستة الأولى من 2018 حوالى 1200 تبلغ قيمتها 250 مليون ليرة، بينما الحاجة الفعلية للتمويل حتى نهاية السنة، تصل إلى 500 مليون ليرة تغطي 2500 قرض.
 
وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خصّص نحو 2.3 مليون دولار قروضاً إسكانية طويلة المدى ومدعومة من البنك المركزي، إضافة إلى 800 مليون دولار تموّلها المصارف الخاصة مباشرة، لكنها استُنفدت كلها على مدى الأشهر الـ 13 منذ بداية عام 2017. أدّى توقف قروض الإسكان الى ازمة في القطاع العقاري مع تراجع عدد المعاملات العقاريّة بنسبة 17.71 % سنويّاً إلى 54،687 لغاية شهر تشرين الثاني من العام 2018، من 66،458 في الفترة ذاتها من العام الفائت. كذلك تراجعت قيمة معاملات المبيع العقاريّة بنسبة 18.87 % إلى 7.31 مليارات دولار، وإنكمش متوسّط قيمة المعاملة العقاريّة الواحدة بنسبة 1.41 % إلى 133،715 دولاراً، من 135،629 دولاراً.
 
في هذا الاطار، قدّمت كتلة المستقبل النيابية اللبنانية، اقتراحَ قانون معجّل مكرّر بمادة وحيدة لدعم الفوائد الممنوحة من المؤسسة العامة للإسكان، يهدف إلى التزام الدولة دعم فوائد القروض التي تمنحها المؤسسة لغاية حدٍّ أقصى يبلغ 5 في المئة من مقدار هذه الفوائد، عبر تسديد المصارف مباشرة قيمة هذا الدعم عبر إجراء مقاصة بين المبالغ التي تمثل هذا الدعم والضرائب التي تستوفيها المصارف.
 
إصدار سندات
في كانون الاول، توصل وزير المالية ​علي حسن خليل​ الى اتفاق مع حاكم مصرف ​لبنان​ ​رياض سلامة​ وجمعية المصارف، يهدف الى تمويل احتياجات الدولة في العام 2019، حفاظاً على سمعة لبنان وتصنيفه الائتماني. 
 
وشرح سلامة أنه تمّ الاتفاق على خطة لاستقطاب أموال لتمويل إصدارات الدولة في العام 2019، من خلال تحويل ودائع المصارف بالليرة اللبنانية التي اودعتها في مصرف لبنان في مقابل ودائع حملها القطاع بالدولار الأميركي، إلى سندات خزينة بالليرة اللبنانية، بفوائد السوق. وتمكّنت الحكومة اللبنانيّة من جمع نحو 1،307.92 مليار ليرة لبنانية (867.61 مليون د.أ.) في مزاد سندات الخزينة الأخير الذي أُقيم في 13 كانون الأوّل، مقارنة مع 169.08 مليار ليرة ( 112.16 مليون د.أ.) في مزاد الأسبوع الذي سبقه. وقد كانت غالبيّة الإكتتابات متمركزة في الإصدار الجديد لسندات الخزينة التي تَستحِقّ بعد خمسة عشر عاماً، أي في العام 2033، والتي تمّ الإكتتاب بها من قِبَل المصارف اللبنانيّة بعائدٍ يبلغ 10.72 % وقسيمةٍ سنويّةٍ نسبتها 10.50 في المئة.
في هذا الإطار، بلغ متوسّط المردود على سندات الخزينة بالليرة اللبنانيّة 10.48 % في مزاد 13 كانون الأوّل. وقد بقي المردود على سندات الخزينة من فئة الثلاثة أشهُر، والسنة، والخمس سنوات ثابتاً عند 4.44 %، و 5.35 %، و 6.74 % على التوالي.
 
تعديل النظرة الى سلبية
في آخر شهر من العام 2018، قامت كلّ من وكالتي التصنيف العالميتين «موديز» وفيتش» بتعديل النظرة المستقبلية للبنان إلى سلبية من مستقرة، عاكِسة مزيداً من التدهور في العجز الحكومي وديناميكيات الدين والضغوطات المتزايدة على المالية العامة وسياسة التمويل في لبنان.
 
وتوقعتا أن يرتفع العجزُ في موازنة 2018 بشكل كبير إلى 10.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي، من متوسط بلغ ​​8.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2012-2017، بسبب ارتفاع أجور موظفي القطاع العام، وزيادة التحويلات الى مؤسسة الكهرباء وارتفاع كلفة الفوائد. ورجّحتا أن يبقى عجزُ الموازنة أعلى من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2019-2020، نتيجة ارتفاع أسعار الفوائد وضعف النموّ الاقتصادي وغياب الإصلاح المالي الجدّي.
 
معبر نصيب
في تشرين الأول، تمّت إعادة فتح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن بعد إغلاقه لسنوات عدّة بسبب الازمة السورية. 
 
ورغم أنّ البنك الدولي ذكر في تقرير له انّ لبنان سيستفيد على الأرجح من إعادة فتح معبر نصيب، إلّا أنّ كلفة التصدير البري ارتفعت بعد اعادة فتح المعبر بسبب زيادة الرسوم الجمركية السورية بنسبة 500% على السلع المنقولة عبر الأراضي السورية من معبر المصنع الحدودي.
 
وبالإضافة الى الرسوم الجمركية السورية التي ارتفعت من حوالى 150 دولاراً الى 750 دولاراً، هناك ارتفاع أيضاً في كلفة التأمين على البضائع وفي أجرة سائقي الشاحنات الذين أصبح من الصعب توفّرهم بسبب منع السائقين السوريين للشاحنات اللبنانية من الدخول الى السعودية، وتخوّف السائقين اللبنانيين السنّة من العبور في سوريا، وعدم ارتياح الشيعة الى المرور في الأردن نحو الخليج.
 
المولّدات الكهربائية
بعد صراع مع اصحاب المولدات الكهربائية، تمكنت وزارة الاقتصاد من إلزام أصحاب المولدات تركيب عدادات للمشتركين كافة في كل المناطق، ما أدّى الى تراجع فاتورة المولّد الكهربائي، بعد تركيب العداد، بأكثر من 60 في المئة.
 
وكانت وزارة الاقتصاد قد قامت بمحاضر ضبط وبمصادرة عدد من المولدات بسبب عدم التزام أصحابها بقرار تركيب العدادات.
 
نزاع نفطي مع إسرائيل 
عاد النزاع اللبناني الإسرائيلي ليطفوَ من جديد في شباط 2018، بعد أن منحت الحكومة اللبنانية في كانون الأول 2017 رخصتين للتنقيب عن النفط في البلوكين 4 و9 لتحالف شركات «توتال» الفرنسية و»إيني» الإيطالية و»نوفاتك» الروسية، الامر الذي أثار غضب إسرائيل التي تدّعي أنّ البلوك 9 يقع داخل حدودها.
 
وتوالت الوفود الأميركية الى لبنان لطرح حلول للنزاع القديم الجديد مع إسرائيل حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية.
 
وفيما يصرّ لبنان على تمسّكه بحدوده المعترف بها دولياً ويرفض الاعتراف بإسرائيل وأيّ إمكانية لملكيّتها أجزاء من المنطقة الاقصادية الخالصة اللبنانية، تُواصل إسرائيل تهديداتها وخروجها عن الشرعية الدولية عبر انتهاكها للسيادة البحرية اللبنانية، ليبقى السؤال: مَن هي الجهة التي ستحكم في هذا النزاع وكيف ستباشر الشركات العالمية عملها في رقعة نفطية متنازَع عليها؟