لا يشك أحد من اللبنانيين في أن العلاقة بين طرفي اتفاق مار مخايل لعام 2006 لم تعد اليوم بالمتانة التي كانت عليها. فـ”التيار” عبّر عن إيمانه بالتحالف الاستراتيجي الذي قام في ذلك الوقت، والذي شنت إسرائيل بعد نحو ستة أشهر من توقيعه عدواناً عسكرياً واسعاً على لبنان كان هدفه القضاء على “الحزب”، عبّر عن ذلك بالدعم الرسمي والاعلامي والشعبي وبأخذ المبادرة الى توفير إقامة للنازحين الجنوبيين الى مناطق في لبنان أكثر أماناً… علماً أن “الشعوب” اللبنانية الأخرى قامت في حينه أيضاً بالواجب الوطني والانساني حيال هؤلاء رغم الاختلافات السياسية الكثيرة والمعقّدة معهم. كما أنه اتخذ موقفاً مؤيداً بالكامل لـ”الحزب” في أثناء عملية التفاوض مع الأميركيين والأمم المتحدة (مجلس أمن) الهادفة الى إنهاء العدوان والتي أثمرت قراراً دولياً حمل الرقم 1701. وعارض توجهات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في ذلك الحين متهماً إياها بالسعي الى الافادة من العدوان لمسّ سلاحه ودوره، رغم الثناء الذي خصّه به شريك “الحزب” أي رئيس “أمل” نبيه بري. وفي 7 أيار 2008 أيّد “التيار” عملية “الحزب” الأمنية العسكرية الخاطفة في “بيروت الغربية” بعد اتخاذ الحكومة قراراً بوقف استخدامه البنية التحتية الاتصالاتية للدولة من أجل تمرير شبكة اتصالاته بل توسيعها لتشمل البلاد في صورة عامة. وعندما نفّذ “الحزب” وحلفاؤه اعتصاماً في قلب العاصمة بدا في جانب فيه حصاراً غير مكتمل للسرايا الحكومية، ورَفَضَ انهاءه قبل الحصول على مطالب معينة، شارك “التيار” في الاعتصام ومعظم أطراف فريق 8 آذار. ولا ينسى اللبنانيون في هذا المجال نزول مؤسسه ورئيسه عون الى ساحة الاعتصام بلباس “برتقالي” وإلقاءه كلمة تأييدية له. ولا ينسون أيضاً أنه شجّع في حينه على احتلال السرايا وتغيير الوضع لكن حكمة حليفه أي “حزب الله” منعته من التجاوب.

ولا يشك في الوقت نفسه أحد من اللبنانيين في أن “الحزب” قام من جهته بموجبات التحالف. فمن جهة ساعد عون على إدخال صهره جبران باسيل الحكومة وزيراً للخارجية. وكلّف ذلك البلاد فراغاً حكومياً استمر قرابة عشرة أشهر. ومن جهة أخرى “زعّل” حليفه المزمن في محور “الصمود والتصدي” الذي تحوّل “محوراً للمقاومة والممانعة” الزعيم المسيحي الشمالي سليمان فرنجيه وحال دون وصوله الى رئاسة الجمهورية، رغم أنه كان ضمن تأييداً لبنانياً اسلامياً (سنياً) لذلك وتأييداً عربياً (سعودياً) وتأييداً أوروبياً (فرنسياً) وعدم ممانعة أميركية. ولم يكن السبب فقط انزعاجه من تحفّظ فرنجيه في إطلاعه وفي الوقت المناسب على تفاصيل تحركه الرئاسي كلها، رغم نصيحة حليفه الأساسي له الرئيس بشار الأسد “بالكلام في هذا الأمر مع السيد حسن نصرالله”. بل كان قبل ذلك وعداً أعطي لعون بأن الرئاسة له مكافأة لثبوت تحالف “الحزب” و”التيار” وصموده أمام أعاصير محلية واقليمية ودولية عدة. وقد وفى بوعده رغم أن ذلك كلّف البلاد وشعوبها سنتان ونصف أو أكثر من فراغ رئاسي جعل من الفراغ في أي مؤسسة دستورية أمراً عادياً ومقبولاً. والدليل الفراغ الحكومي منذ انتخابات أيار الماضي.

لكن اللبنانيين يتساءلون اليوم عن مصير “اتفاق مار مخايل” ويسألون عن أسباب الخلافات بين طرفيه “الحزب” و”التيار” التي تكاد أن تتحوّل “ثابتة” في الحياة السياسية وصاحبة تأثير سلبي جداً على الوضع العام.

الأسباب معروفة في صورة عامة. وقد بدأت في مرحلة اعداد قانون الانتخاب. اذ بدا الرئيس الجديد لـ”التيار” بعد وصول عون الى الرئاسة الوزير جبران باسيل مروّجاً لمشروع يكرّس التقسيم الطائفي والمذهبي في البلاد (الارثوذكسي)، واستمر متمسكاً به ونجح في جعل القانون الذي صدر في هذا الشأن قريباً منه من نواح معينة، الأمر الذي شوّه “النسبية” التي اعتبرها “الحزب” وكثيرون انجازاً. وعندما بدأت الحملة الانتخابية بتأليف اللوائح وإرساء التحالفات استخدم باسيل لغة طائفية في خطاباته وهاجم الشيعة في بعض الدوائر، ودعم لوائح مواجهة لـ”الحزب” في مناطق، وبدا كأنه يؤسس لوضع “وطني” مستقبلي يكرّس الطائفية والمذهبية في البلاد، وكأنه أيضاً يريد عودة المسيحيين الرقم واحد لا شكلاً فقط بل فعلاً، فبدأ يروّج للرئيس القوي الذي يستمد قوته من “حزب الله” وشعبيته المسيحية وللعهد القوي. ثم راودته وبالاتفاق مع الرئيس عون فكرة وراثته إياه في الرئاسة الأولى. طبعاً لم ينظر “الحزب” بارتياح الى ذلك لأن باسيل وبموافقة عون انفتح أو الأصح تفاهم مع أخصام له لبنانيين، وبدأ الانفتاح الجدّي على أعداء له دوليين وإقليميين. ولم تنفع نصائح “الحزب” له بالتروّي والانتظار لأن عهد عمّه لن ينتهي قبل 4 سنوات وبعد بكّير. واستمر في المحاولة واستمر في الوقت نفسه في الإساءة الى الوضع ودور المسيحيين في البلاد لالغاء الآخرين. فضرب “تفاهم معراب” مع “القوات اللبنانية”، وهجم على سليمان فرنجيه ولا يزال ويريد دعم “حزب الله” في كل ذلك.

هل ينفك التحالف بين “التيار” و”الحزب”؟

قيادة “حزب الله” أذكى من ذلك. فهي في حاجة وخصوصاً اليوم وفي غمرة التطورات القريبة من النهائية في المنطقة الى التمسّك به ولكن مع ممارسة القوة السياسية طبعاً، لمنعه من جرّها الى هاوية لبنانية أو إقليمية أو من جرّ لبنان كله إليهما، كما في حاجة الى المحافظة على فرنجيه والى عدم الاصطدام مع “القوات” رغم الخلاف “الايديولوجي” معها، والى تأسيس وضع سنّي مؤيّد “لحزبها” باعتبار أن “المستقبل” لم يعد يمثل غالبية ساحقة من طائفة رئيسه رغم الشعور المذهبي الحاد بين السنة والشيعة (بدأ ذلك)، كما الى المحافظة على وحدة الطائفة الشيعية من خلال “الثنائية”.