شكّل عيدا الميلاد المجيد ورأس السنة فرصة للقوى السياسية للابتعاد بعض الوقت عن المشاكل والأزمات الداخلية، لا سيما منها أزمة تشكيل حكومة الوحدة أو الانقاذ الوطني التي بات المجتمع الدولي يطالب بها للإيفاء بالمساعدات المالية التي قرّر منحها للبنان لمساعدته على التخلص من أزماته الكثيرة والصعبة، من جهة، وعلى التصدي للتحديات التي يتعرّض لها من خارج حدوده المعترف بها دولياً، ومنها على وجه الخصوص ما يحصل في الإقليم من تطورات وما تحمله هذه التطورات من متغيرات جغرافية وديمغرافية.

ولكن هذه القوى تعرف ان عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة لا تتعدّى أيام معدودة، يعودون بعدها إلى قلب مستنقع أزمة تأليف تلك الحكومة في ظل استمرار التباينات على توزيع الحصص وحتى على الأسس التي يجب أن تقوم عليها الحكومة العتيدة وهل ما زالت وثيقة الوفاق الوطني التي أقرها اتفاق الطائف معمولاً بها أم أن التطورات على المستويات الداخلية قد تجاوزتها ويقتضي خلق أعراف وتقاليد جديدة كما كشف رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور وعلى التقيّد بكل نصوصه. وإن كانت اختلفت التفسيرات حول الجهة التي اتهمها رئيس الجمهورية بأنها هي التي تجاوزت الأعراف والتقاليد المعتمدة في لبنان بعد توصل الأفرقاء جميعاً إلى اتفاق الطائف.

اعتبر البعض ان موقف رئيس الجمهورية جاء رداً على تمسك حزب الله بموقفه لجهة فرض توزير أحد النواب السنة الستة بما يُشكّل خرقاً فاضحاً للدستور ولوثيقة الوفاق الوطني اللذين أناطا مهمة تشكيل الحكومة واختيار الوزراء حصراً برئيسي الجمهورية والرئيس المكلف بعد المشاورات التي يتوجّب دستورياً على الرئيس المكلف إجراؤها مع الكتل النيابية والنواب، وكان الملفت ان الحزب لم يعلق على ما قيل في الإعلام وبين الأوساط السياسية في هذا الأمر، كما ان رئيس الجمهورية لم ينفِ بدوره انه لم يكن يستهدف حليفه حزب الله، وانه بالتالي لا يفرط بتفاهم مار مخايل الذي أسس لوصوله إلى رئاسة الجمهورية، ما يعطي لكثيرين انطباعاً بأن الهوة بدأت تتسع بين رئيس الجمهورية وبين حزب الله الأمر الذي ينعكس سلباً على مسارات تأليف الحكومة، ويضع الجميع أمام واقع جديد لأن الحزب يملك من خلال فائض القوة، حق الفيتو سواء بالنسبة إلى تشكيل الحكومة وسواء بالنسبة إلى أي من القرارات المهمة التي تنوي اتخاذها في حال سهل مهمة تأليفها وأصبحت أمراً واقعاً.

وفي كل الأحوال، لا يوجد في الأفق المنظور أي مؤشر يحمل معه بعض الإيجابيات التي يُمكن من خلالها توقع ولادة الحكومة في وقت قريب، بل ان العكس هو الصحيح، أي أن أزمة التأليف مفتوحة على كل الاحتمالات ما عدا احتمال الوصول الى تسوية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.