دخلت عملية تأليف الحكومة في إجازة إلى ما بعد الدخول في العام الجديد، وتوقفت كل المحركات ايذاناً بأن العقد الموضوعة في طريق ولادة هذه الحكومة، تجاوزت كل التقديرات السياسية التي سبقت المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية من بكركي واتهم فيها حزب الله من دون ان يسميه بابتداعه اعرافاً وتقاليد جديدة مخالفة لوثيقة الوفاق الوطني التي حددت العلاقات بكل وضوح بين السلطات اللبنانية، ومنها موضوع تشكيل الحكومة وآلية هذا التشكيل، الموكلة حصرا إلى الرئيس الذي تسميه الأكثرية النيابية بالتشاور مع رئيس الجمهورية.

وإذا كان لم يصدر أي موقف عن حزب الله ردا على ما أثاره رئيس الجمهورية فإن كل تصرفاته وحلفائه تدل على انه متمسك بموقفه المعطل لتشكيل الحكومة، ولن يتراجع عنه مهما حاول حليفه رئيس الجمهورية ممارسة الضغوط عليه لكي يوافق على اعطائه مع التيار الوطني الحر الثلث المعطل في الحكومة العتيدة إضافة إلى ما يختار التيار من حقائب وزارية على حساب الطائفة الشيعية كما عبّر عنه رئيس مجلس النواب في لقاء الأربعاء النيابي.

والرئيس عون كان يعرف موقف حزب الله هذا قبل ان يزور البطريركية المارونية ويلتقي البطريرك الراعي، ولذلك حرص ان يُطلق هذا الموقف من على درج بكركي لكي يقول للمسيحيين بأنه لن يسمح بالتطاول لا على صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي ولا على حقوق الطائفة في إدارة الدولة رغم شعوره بالغبن الذي ألحقه اتفاق الطائف بها. وان كان حافظ على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين بصرف النظر عن المتغيّرات الديمغرافية التي حصلت والتي ستحصل مستقبلاً، ولكي يقول لكل المسؤولين في حزب الله ان تفاهم مار مخايل لا يعني ان يتخلّى رئيس الجمهورية عن الدستور ونصوصه وعن وثيقة الوفاق الوطني لحزب الله أو للطائفة الشيعية التي يطمح الحزب إلى تعزيز صلاحياتها وشراكتها في إدارة دفة الحكم في البلاد. ولم يخف ذلك عندما طالب أمينه العام السيّد حسن نصر الله بمؤتمر تأسيسي يُعيد تنظيم إدارة الدولة على قاعدة المثالثة بدلا من المناصفة، وإذا كان توقف علناً عن المطالبة بهذا المؤتمر فإن تصرفاته خلال السنوات الماضية، ولا سيما في موضوع تأليف الحكومة العتيدة، يدل على انه لا يزال يضع العراقيل في وجه قيام الدولة للوصول إلى هدفه في عقد مؤتمر تأسيسي يخلص إلى تعديل اتفاق الطائف على أساس المثالثة وليس على أساس المناصفة كما هو معمول به، ولو لم يكن هذا هدفه الرئيسي لكان سهل على الرئيس المكلف تشكيل الحكومة وأنقذ العهد، الذي كان المساهم الأكبر في ايجاده، من الفشل لأن أي يوم تأخير إضافي في تأليف الحكومة يأخذ من رصيد العهد ويكون على حسابه.