تتغير حسابات إسرائيل في الغارة الأخيرة على مواقع وأهداف في محيط دمشق، لكن حسابات المقصوف تبقى ذاتها؟ ووفقاً لما اندرجت عليه طوال السنوات الماضية وبتركيز شديد، حيث النعامة أجدى من الصواريخ! وحيث الغربة قصية حتى عن المعزوفة، المشروخة من كثرة التكرار، الخاصة بـ«الاحتفاظ بحق الردّ في الزمان والمكان المناسبين»!

إسرائيل تقول، أو بالأحرى تنفّذ ما قاله رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، من أن «أهدافها» في سوريا الخاصة بمواجهة النفوذ الإيراني وملحقاته لن تتغيّر بعد قرار دونالد ترامب سحب الألفي جندي أميركي من شرق الفرات.. بل هي دخلت في مرحلة تصعيد تراها متناسبة ومتناسقة مع ذلك القرار بحيث لا «يسيء الأعداء» تفسيره أو افتراضه «انتصاراً» إضافياً يسمح لهم بالاستطراد الميداني باتجاه الجنوب السوري.. أو «التفكير» بذلك!

والتصعيد مسار حتى لو كان من جهة واحدة هي إسرائيل! وهذه تستند إلى حقيقتين تبدوان ثابتتين قبل قرار سحب الجنود الأميركيين وبعده. الأولى هي أن إيران و«حزب الله» وبقايا السلطة ليسوا في وارد نقض «قواعد اللعبة» التي تتحكّم بها إسرائيل! ولا الخروج إلى الردّ الموازي الذي قد يفضي إلى شيء كبير و«حرب» مرذولة! والثانية هي أن موسكو «على السمع» دائماً! وأن «نكسة» 17 أيلول الماضي قد جرى تخطيها، وهي التي تأتت عن سقوط طائرة نقل عسكرية روسية بنيران «الدفاعات الجوية» الأسدية بُعيد غارة إسرائيلية، وأن أمور التنسيق المفتوح بين الطرفين، عادت إلى الانتظام، وهذا من دلالاته أن موسكو أعلنت بوضوح أنها أخذت علماً بالغارة الجديدة في محيط دمشق قبل حصولها وبما يتناسب مع الهدف العسكري المشترك بمنع وقوع «خطأ» آخر.. ثم الأهم (الذي لا تحبّ الجماعة الإيرانية الإشارة إليه أو التذكير به) بما يتناسب مع التفاهم العريض بين نتنياهو وفلاديمير بوتين في شأن «حق إسرائيل» في «الدفاع عن أمنها» ومواجهة «الإرهاب» والنفوذ الإيرانيين في سوريا!

ولا حاجة، بهذا المعنى، لإعطاء خبرية «القرار» الروسي الذي تلا واقعة 17 أيلول الماضي بتزويد السلطة الأسدية منظومة صواريخ «اس-300» ثقلاً أكبر من ثقل خبرية «الاحتفاظ بحقّ الرد في الزمان والمكان المناسبين»! فهذان أمران يناسبان العالم الافتراضي تماماً ولا يخرجا منه وعليه! والواضح الذي ازداد وضوحاً ليل الثلاثاء – الأربعاء، هو أن موسكو وتل أبيب تؤكدان مجدّداً تلك الحقيقة الافتراضية وتستأنفان الأخذ بالواقع كما هو!

وذلك الواقع كان قائماً قبل تعزيز الوجود العسكري الأميركي في شرق الفرات، وتنامى مباشرة بعد انطلاق «عاصفة السوخوي» في أواخر العام 2015.. والمفارقة هي أنه استعاد زخمه بعد صدور قرار ترامب بالانسحاب! وكأن موسكو حريصة بقدر تل أبيب، وربما أكثر، على منع إيران من الذهاب بعيداً في احتفالها الانتصاري بما سمّته الفصيحة بثينة شعبان «هروب أميركا من سوريا»! ثم الأهم من ذلك، كأنها تُعيد التأكيد بأنها هي (موسكو) المعنية الوحيدة، خارج المجال الحيوي التركي في الشمال، بتعبئة الفراغ الأميركي في سوريا وبما يتناسب مع مصالحها الإسرائيلية وليس الإيرانية!