تزداد أجواءُ التشكيل الحكومي ضبابيّةً أكثرَ فأكثر لا سيما أنّ البعض ظنّ الحلَّ قريباً في حين لا زالت الغيومُ تحجب الرؤية.
 

في الحسابات السياسية الضيقة، النزاع هو على الحصص والأحجام داخل مجلس الوزراء، أما على المستوى الوطني فإنّ البلد يواجه خطر الإنهيار الكبير والطبقة السياسية متراخية تصمّ آذانها عن أصوات الناس ووجعهم.

وما يثير الإستغراب أكثر أنّ المعرقلين هم أبناء «البيت الواحد»، أي فريق العهد و«التيار الوطني الحرّ» من جهة، و«حزب الله» وحلفاؤه من جهة ثانية، بعدما كانت حُلّت عقدتا تمثيل «التقدمي الإشتراكي» و«القوات اللبنانية».

وامام هذا المشهد تشتدّ الدعوة الى حكومة إختصاصيين مصغّرة لإنقاذ الوضع وقد ارتفع منسوبُ هذه المطالبة لدى المرجعيات الروحيّة. وظهر ذلك جلياً خلال عظة الميلاد لمتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، حيث أعتبر أنّ آخر البدع حكومة الوحدة الوطنية التي هي صورة مصغّرة عن المجلس النيابي، مقترِحاً تشكيلَ حكومة مصغّرة تضمّ إختصاصيين.

ولا ينفكّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن المطالبة بحكومة إختصاصيين مصغّرة أيضاً مهمتها إنقاذ البلاد من الأزمات الغارقة فيها وأبرزها الأزمة الإقتصادية.

واللافت أيضاً أنّ عضو تكتل «لبنان القوي» النائب نعمة إفرام دعا إلى تشكيل حكومة مصغّرة من الأخصائيين نظراً لمخاطر المرحلة، وهدفها ترسيخ الثقة لدى اللبنانيين والمجتمع الدولي، خصوصاً لناحية الشفافيّة في إدارة أموال «سيدر».

لا شكّ أنّ صورة الميلاد في بكركي هذا العام كانت قاتمة، فالهديةُ التي انتظرها اللبنانيون منذ أيار الماضي لم يحملها «بابا نويل» قبل العيد، وظلّت تائهة، فيما الحديث عن خلق أعراف دستورية في تأليف الحكومات من فبل الرئيس ميشال عون ظهّر عمقَ الأزمة بين بعبدا والضاحية الجنوبية.

ويتذكّر الجميع أنّه عندما حصل تباينٌ حول حصّة «القوّات»، قيل لهم إما تقبلون بما عُرض عليكم أو نسير بالحكومة من دونكم، وهذا الأمر، أو التهديد المبطّن حسب كثيرين، لا يمكن أن ينسحب على «حزب الله» لأسباب عدّة أوّلها أنّ الجميع يخاف من ردّة فعل الحزب، فهو يملك المال والسلاح ويسيطر على القرار السياسي في البلد.

أما النقطة الثانية، فإذا لم يدخل «حزب الله» الى الحكومة فإنّ حركة «أمل» ستقاطع أيضاً، عندها تصبح الحكومة غير ميثاقيّة ومن دون المكوّن الشيعي، في حين أنّ «التيار الوطني الحرّ» كان سيغطّي فراغ غياب «القوات» عن الحكومة لو تمّ هذا الأمر.

إذاً، المتابعون لملف التأليف يرون أنّ الأمور عالقة بين إصرار العهد على الثلث المعطّل، وتمسّك «حزب الله» بتمثيل حلفائه السنّة، في وقت يُستنزف العهد، فكيف يكون الخلاص؟

قد تشكّل حكومة الاختصاصيّين حسب مطّلعين كثر مخرَجاً لائقاً من المأزق، عندها لا يمكن القول إنّه تمّ إستثناء فريق واحد أي «حزب الله» الذي وحتى الآن لم يسلّم أسماء وزرائه للرئيس المكلف سعد الحريري، بل سيُستثنى الجميع.

إنّ هذه الخطوة تحتاج الى جرأة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، وإذا كان التداولُ بها هو أكثر من جدّي، فإنّ تطبيقها يتضمّن محاذير كثيرة.
فحكوماتُ ما بعد الطائف هي حكوماتٌ سياسيّة لا حكومات تكنوقراط، وبالتالي فإنه حتى لو أنّ الظروف الإقتصادية مؤاتية، من الصعب السير بمثل هكذا أنواع حكومات.

النقطة الثانية هي أنّ جزءأً من الأزمة هو سياسي بامتياز، وتأليف حكومة تكنوقراط لا يحلّ المشكل بل قدّ يؤزّمه.

أما النقطة الثالثة والأساسية، فهي أنّ أيَّ خطوة لا يوافق عليها «حزب الله» لا تسير، وبالطبع فإنّ الحزب سيعتبر أنّ هذه الحكومة موجّهة ضدّه ولاستبعاده، وهذا الأمر قد يؤدّي بالبلاد الى أزمات سياسية لا تُحمد عقباها.

أما النقطة الرابعة والأساسية، فهي صعوبة تأليف حكومة من اختصاصيين يحظون بإجماع كل القوى السياسية، لأنّ البلاد مقسومة سياسياً ومذهبياً، وقد تكون هذه الحكومة كناية عن شراكة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وبالتالي لن تستطيع الحكم، كما أنها لن تنال ثقة مجلس النواب الذي تسيطر عليه القوى الحزبية والتكتلات الكبرى.

وحتى هذه الساعة، لم يرشح أيُّ شيء من دوائر بعبدا أو «بيت الوسط» يدلّ على إمكانية السير بهذا النوع من الحكومات، بل إنّ الأولوية تبقى لترقيع «التشكيلة» الحاليّة.

ويحاول بعض سعاة الخير إحتواء الصدام الذي نشأ بين «التيار الوطني الحرّ» و«حزب الله»، على رغم أنّ كل فريق متمسّكٌ برأيه ولن يقدّم التنازلات، خصوصاً أنّ الصراع هو بين مَن يملك قوة السلاح وبين مَن يملك قوة الإمضاء.

بدوره، يتفرّج تيار «المستقبل» على الإشكال الذي حصل، من دون أن يملك قدرة على تغيير المسار، ويبقى الأساس رصد ما سيرشح عن قصر بعبدا والنواب القريبين منه، وإذا ما كانوا سيسيرون بمثل هكذا خيار تفرضه الظروف الإقتصادية ومندرجات مؤتمر «سيدر».