غريبةٌ هي كلمات مقال الرأي الـ 2380، على صفحات العدد 22 كانون الأول الجاري من جريدة "الأخبار"، التي حملت عنوان "التهويل الإسرائيلي على لبنان: حديث الأنفاق" بتوقيع الكاتب اللبناني المغترب في الولايات المتحدة الأميركية أسعد أبو خليل.

في الشكل، فإن مقال الرأي الذي اعتدنا على أن يكون مقتضباً، توسّع بيكاره على صفحات "الأخبار" بشكلٍ مستهجن، يدعو للاستغراب. أما في المضمون، فكثيرةُ هي "أنفاق" هذا المقال، ودهاليزه، وما حمله من رسائل مبطنة وأخرى غير مبطنة.

"الجيش والشعب والمقاومة" ثلاثية عاش على تآلفها لبنان واللبنانيون، وإن كان البعض قد تحايل عليها لغوياً في بيانات وزارية سابقة، إلا أنها بقيت الضابط الأساسي لإيقاع هذا البلد.

فاجأنا المغترب اللبناني من عرينه الأميركي بتمزيق هذه الثلاثية، ضارباً بعرض الحائط هيبة مؤسسة لا يكفيها ما تتلقاه من سهام غدرٍ في الداخل اللبناني، كان آخرها استشهاد ابن الـ 21 ربيعاً الجندي رؤوف يزبك في كمين مسلح في بعلبك، حتى يأتي أبو خليل غارفاً من بحر التهويل والافتراءات ليروي على مسامعنا نظرية الفصل بين المقاومة والجيش اللبناني لأسبابٍ لا تبدو بريئة.

وبعد التهويل الممنهج وربط الحاضر بالماضي بطريقةٍ صوّبت سهام التخوين واتهامات العمالة بشكلٍ عشوائي، توجه أبو خليل نحو قائد الجيش اللبناني العماد حوزاف عون ذامّاً في تصريحات الأخير حول "جهوزية الجيش اللبناني العسكرية في وجه أيّ  حرب قد تُشنّ ضد لبنان"، متهماً العماد عون بجهله بالحدّ أدنى من معرفة السياسة الخارجيّة، فيما يخص تصريحٍ سابق لعون في الجريدة نفسها قال فيه "ان سبب نقص السلاح الرادع للجيش هو ثمنه وليس الفيتو الأميركي".

متناسياً في سردة الحديث المطوّل الدور الأساسي لمؤسسة هزمت الإرهاب في جرود عرسال، وتعزّز بتضحيتها وشرفها ووفائها وحدة اللبنانيين، وتحمل في صدور حُماتها صمام أمان هذا البلد.

ولم ينأَ أبو خليل بسهامه عن قوات حفظ السلام المؤقت في لبنان "اليونيفيل"، واتهمها بتشكيل شبكة من العلاقات والمصالح الماديّة والتجاريّة في جنوب لبنان، بالتعاون مع بعض الأحزاب السياسية.

وفي الحقيقة هي القوات التي حوّلها الجيش اللبناني والمقاومة من أداة دولية لحماية حدود إسرائيل إلى جماعة تتعايش مع أهالي القرى الحدودية وتنقل لأطفالهم خبراتها التي حملتها من دولها المختلفة في شتى المجالات.

أثار هذا المقال بحسب معلومات "السياسة" استياء الأوساط العسكرية، وأوساط "اليونيفيل" لجانب الأوساط الإعلامية التي اتهمها أبو خليل أيضاً بأنها أبواقاً للعدو الإسرائيلي، لمجرّد نقلها الأخبار الإسرائيلية التي يتربّع على عرشها الافتراضي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي.

بعيداً عن هذا الاستياء الثلاثي الأبعاد، يمكن الجزم بأن هذه المقالة ليست ببريئة الأهداف، وإن كانت كلماتها نُصّت على لوحة مفاتيح التلطّي بالولاء للمقاومة والعداء لإسرائيل. 

ولا نعلم ما إن كان الهدف منها جرّ هاتين القوتين، الجيش واليونيفيل، للاعتراف ربّما بما يورّطهم دولياً وعالمياً، أم إنها تصويبٌ من أجل التصويب، في خضمّ تلبّد الأفكار في رأس مغترب آثر التنظير عن بعد، بغض النظر عن قدسية المُنظّر عليه وحساسية وجوده في ظل كلّ ما يعصف داخل لبنان والجوار، وما بعد بعد الجوار.