المستشار القضائي للحكومة صاحب القرار في محاكمة رئيسها أو تبرئته
 

بات اسم أبيحاي مندلبليت مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بقرار تبكير موعد الانتخابات الإسرائيلية الذي اتخذه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بشكل مفاجئ. وحول ما يقرره مندلبليت، ستدور المعركة الانتخابية. ولا مبالغة في القول إنه سيقرر إلى أي اتجاه تسير إسرائيل في السنوات القادمة.

مندلبليت هذا هو المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، مقرب جدا من نتنياهو، كان في الماضي يعمل رئيسا للنيابة العسكرية. جلبه نتنياهو من الجيش إلى قمة العمل السياسي. اختاره أولا سكرتيرا لحكومته، ثم وضعه على رأس المؤسسة القضائية.

من خلال وظيفته مستشارا، يعتبر مندلبليت وفقا للقانون الإسرائيلي فوق منصب المدعي العام. من دونه لا يمكن تقديم أي مسؤول حكومي إلى المحكمة. واليوم هو صاحب القرار الأساسي في محاكمة أو عدم محاكمة نتنياهو. وقد غمرته الصحافة الإسرائيلية بالنقد والتشكيك، واتهمته بالمماطلة المتعمدة في حسم القرار بهذا الشأن، لأنه كما يبدو مخلص لنتنياهو أكثر من إخلاصه للقانون ولمصلحة الدولة. لا يمر يوم من دون توجيه نقد كهذا إليه. لا يحضر أي ندوة أو مؤتمر إلا ويسمع فيه اتهاما شبيها. مصداقيته باتت في خطر.

في صبيحة يوم الأحد الماضي، أعلن عن بدء عمل لجنة خاصة في مكتبه لدراسة توصيات الشرطة والنيابة بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو في ثلاثة ملفات فساد. وأكد أن البحث في موضوع ملفات الفساد الثلاثة سيكون موضوعيا ومهنيا ولن يتأثر من أي ضغوط. وفي «زلة لسان» مخططة، أضاف أنه كان مرافقا لمسيرة التحقيق وللأبحاث في النيابة، وذكر سامعيه بأن مكتب النائب العام في وزارة القضاء لا يبعد سوى خطوات عن مكتبه هو.

مع ذلك لا يصدقه قسم كبير من الصحافيين وكذلك من أحزاب المعارضة ويعتقدون أنه ما زال يتلاعب في الموضوع ويشيرون إلى ضرورة التوجه إلى محكمة العدل العليا حتى تتدخل وتجبره على اتخاذ قرار سريع.

لكن نتنياهو، على خلاف هؤلاء، يصغي جيدا للمستشار مندلبليت ويشعر بالقلق. لذلك قرر إحداث انعطاف في معالجة القضية. ومع أنه أعلن فقط قبل شهر بأن «التوجه لانتخابات في هذه الظروف الأمنية التي تعيشها إسرائيل هو نوع من انعدام المسؤولية الوطنية»، قرر أن يبكر موعد الانتخابات. وبهذا، يفصح عمليا عن انعدام ثقته بأن يقوم رجله الذي عينه لمنصب المستشار القضائي بإنقاذه من براثن القضاء.

الدليل على نزع الثقة بالمستشار، هو ذلك الهجوم الذي وجهه إليه رئيس كتل الائتلاف الحكومي، ديفيد أمسالم. فقد خرج إلى الإعلام متهما مندلبليت بأنه «تولى منصبا أكبر من حجمه بكثير. للأسف يتعرض لضغوط شديدة وهو ليس قديراً عليها». ولمح إلى أن مندلبليت كان يمكن أن يكون «رجلا» لو أنه أعلن عن رفض توصيات الشرطة والنيابة وأغلق الملفات.

وأضاف أمسالم: «كان عليه أن يطير النيابة في الهواء ويمزق وحدة مكافحة الفساد في الشرطة. لكنه لا يفعل. إنه يشعر بالوحدة. وأنا أعرف كيف تعمل الطريقة. فعندما يتم جلبك إلى مكان أنت فيه غريب لن تستطيع التأثير. فإما أن تستسلم وتصبح مثلهم وإما أن تطير. وهذا ما سيصيب مندلبليت. مع أنني أصلي من أجله أن يمنحه الله القوة ليصمد ويصد كل الضغوط من اليسار ويتخذ القرار الصحيح. فهنا يخيطون ملف فساد ضد رئيس الحكومة وعلى مندلبليت أن يمزقه في وجوههم. وللأسف لا أرى لديه شخصية قوية تجعله يصدهم».

هذا الهجوم على مندبليت كان الشرارة الأولى في حملة الضغوط عليه من اليمين. وقد جاء ليخيفه أولا وجاء أيضا ليحدث توازنا مع ضغوط الصحافة والمعارضة. ففي اليمين يؤمنون بأن أي ضغط على الرجل سيحقق شيئا ما ونتنياهو بحاجة ماسة إلى أي شيء يخفف الاتهامات، ويفضل بالطبع إلغاء الاتهامات.

وإذا كان أمسالم يدير حملة ضد مندلبليت بالتصريحات الصحافية، فإن الحملة التي يديرها نتنياهو هي الحملة الكبرى، في صناديق الاقتراع. فالانتخابات جاءت بالضبط لهذه الغاية: مواجهة لائحة الاتهام المتوقعة. والمقربون من مندلبليت يقولون إن الرجل مخلص لنتنياهو أكثر بكثير مما يتصور وأنه يسعى بكل قوته إلى إلغاء أو تخفيف الاتهامات، فإن لم يستطع ذلك فسيكون هذا بسبب قوة الاتهامات. فهناك أدلة دامغة عليه. وهناك شهود ملكيون من رجال نتنياهو المقربين، الذي كانوا يسجلون تعليماته الفاسدة وقدموا التسجيلات للشرطة.

ونتنياهو، الذي يعرف جيدا أن الشهود الملكيين هم الذين سلموا رقبته للشرطة، يختار الآن محاربة الاتهامات خارج ساحة القضاء ليشكل ضغطا على القضاء. فهو يرمي إلى الفوز بهذه الانتخابات فوزا ساحقا، يجعل المحكمة في حالة حرج. والاستطلاعات التي تنشر في إسرائيل تشير إلى أن القاعدة الشعبية لنتنياهو في الجناح اليميني من الخريطة السياسية، تؤيده وتتمسك به ولا تصدق الشرطة ولا النيابة ومستعدة للتضحية أيضا بمندلبليت، الذي يعتبر في نظرها مجرد موظف محكوم. لهذا، فإن موضوع ملفات الفساد ضد نتنياهو هو موضوع هذه الانتخابات الأول والأخير.