توقّع اللبنانيون التهليلَ لولادة الحكومة العجائبية قبل التهليل للميلاد، لكنّ قلّة منهم ظلّت متيقظة تترقب بحذر ولادة الحلم الذي لم يصبح حقيقة فصدَق حدسُها. أمّا حدس مصادر الوزير جبران باسيل فهي متوجّسة من التظاهرات التي تُحضَّر بعد معلوماتها عن أنّ هذه التظاهرات ستكون ظاهرياً للمطالبة بتأليف الحكومة وبالمطالب المعيشية، لكنها باطنياً تسعى الى طعن العهد والانقلاب عليه، وتحديداً على باسيل نفسه الذي تنهال عليه الاتّهامات من جميع الأطراف بأنّه وحده العُقدة والمعرقل! فهل تكمن العقدة فعلياً في مطالب باسيل المتتالية؟ أم أنّ الرجل ظُلِمَ في اتّهامه بعرقلة التأليف تحديداً؟
 

أصابعُ الاتّهام توجهت تلقائيّاً الى باسيل فـ«جسمُه لبّيس»، على حدّ قول أحد المقرّبين الذي يبرِّئ باسيل من «الخيانة» الحكومية في موعد ولادتها، ويردّ العرقلة الى «مصالح» «حزب الله» في المنطقة و«مصلحة» إيران تحديداً، التي، وفق مصدر مقرّب من الديبلوماسية الأميركية، لا تريد حكومة للبنان أقلّه مرحلياً.

ويرى هذا المصدر أنّ كل التطورات والاعتراضات التي شهدتها الحكومة المفترَضة كانت عبارة عن مسرحيّة ومسلسل إيراني طويل، هدفه المناورة وتضييع الوقت، موضحاً أنّ إيران في هذه المرحلة لا تريد حكومة للبنان وبأنها كانت تناور في انتظار قرارت جلسة مجلس الأمن، ولاسيما منها تلك المتصلة بالعقوبات وكذلك بالأنفاق.

ويضيف المصدر أنّ أولوية إيران أيضاً في هذه المرحلة ترقّب التطورات في الحُديدة وفي عرقلة الحكومة العراقية، لافتاً الى الحدث الطارئ الذي استولى على اهتمامها أخيراً وهو تداعيات قرار ترامب الانسحاب من سوريا وهي منشغلة في البحث عن أسبابه وليس عن تأليف حكومة للبنان.

غير أنّ مصادر باسيل لا توافق «التحليل الغربي» شارحةً معطياتِها التي تتّهم فيها الغيرَ بالانقلاب على الاتّفاق الحكومي في اللحظة الأخيرة، مؤكدةً أنّ أسبابَ التعطيل «داخلية بامتياز»، وذلك بحسب متابعتها لكل مراحل التكليف الوزاري ودورة التعطيل التي رافقتها منذ البداية الى حين تولّى اللواء عباس ابراهيم زمامَ فكفكة العقدة الأخيرة.

وتوضح مصادر باسيل أنّ تسمية جواد عدرا لم تكن خيارَ العهد بل كانت خيارَ الآخرين الذين أقنعوا «اللقاءَ التشاوري» في طرح 4 أسماء بالإضافة الى عدرا، على رغم تَململ البعض ودهشتهم في البداية، لكنهم أذعنوا في النهاية ورضخوا لطرح الأسماء الأربعة ليختارَ مِن بينهم رئيس الجمهورية مَن سيضمّه الى حصّته! وليس إلى حصّتهم!؟ وإلّا لماذا سيتدخّل الرئيس، أو ما معنى أن يختار إسماً ليتموضعَ مع فريق آخر؟!»

لم نرفض أيّ حقيبة!

عن حقيقة مطالبة باسيل بتبادل الحقائب، وتحديداً مطالبته بوزير مارونيّ رابع ومن حصة «القوات اللبنانية» التي لا يحقّ لها، وفق حسابات «التيّار الوطني الحر»، أن تتساوى معه بعدد الحقائب المارونية استناداً الى معايير النتائج الإنتخابية، تنفي مصادر باسيل هذا الأمر وتقول:

«لو أنّ هذا الأمر حقيقة لكانت أصدرت «القوات اللبنانية» بياناً في هذا الشأن للاعتراض أو الموافقة، لكنها لم تفعل لأنها تعلم أنّ هذا المطلب الذي تداوله البعض عن لساننا غير صحيح. كذلك الأمر بالنسبة الى وزارة الإعلام التي تنفي مصادر باسيل نفياً قاطعاً بأنه شاء مبادلتَها بحقيبة أخرى، مؤكداً أنه لم يرفض أيّ حقيبة.

مصادر باسيل ترفض اتّهامَه بالعرقلة، وتقول لـ«الجمهورية»: «الآخرون يرمون علينا كل ما لا يريدونه وإذا اعترضنا يتهموننا بالتعطيل».

وتوضح بإسهاب مجريات فكفكة العقدة الأخيرة وتفاصيل وساطة اللواء ابراهيم، وتؤكد أنّ «فريق رئيس الجمهورية ليس الجهة المعرقلة، فلا أحد يقوم بتعطيل نفسه!» لافتة الى أنه «من البديهي أن يكون رئيس الجمهورية وفريقه السياسي معنيّين قبل سواهما بتأليف حكومة العهد».

وتستفيض المصادر في سرد مجريات المرحلة الأخيرة من مفاوضات التشكيل، كاشفة «أنّ رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» سهّلا عملية التأليف إلى الحدِّ الأقصى وقدّما مبادرةً من المستحيل أن يقوما بتعطيلها».

وتوضح: «ما حصل هو أنّ اتّفاقاً سياسياً تمّ بين أكثر من طرف على تحديد اسم جواد عدرا حصرياً وبنحو واضح شخصيّة يسمّيها النواب السنّة الستة على أن تكون، وبنحو واضح أيضاً، من ضمن حصة رئيس الجمهورية لا أن يتمّ اقتطاعه منها، وقد تمّ تكليفُ اللواء إبراهيم إخراج الحلّ إلى العلن فأنجز مهمته».

المفاجأة !

تفاجأت مصادر باسيل، وفق تعبيرها، بحصول تراجع عن هذا الاتفاق في اللحظات الدقيقة للتأليف، وذلك من خلال الطلب من عدرا أن يعلن بعد عقد اجتماع مع «اللقاء التشاوري» أنه يمثّل هذا اللقاء حصراً وأنه ليس من ضمن حصة الرئيس.

و«الطرف الذي تراجع عن الاتفاق، بحسب مصادر باسيل، هو بالتأكيد ليس رئيس الجمهورية ولا رئيس «التيار»، بدليل أنّ اللقاءَ التشاوري هو الذي اجتمع وتراجع مطالباً بأن يكون عدرا ممثلاً حصرياً له ومن حصته هو، أي لا علاقة لرئيس الجمهورية به.

وتضيف المصادر عينها أنه «كان طبيعياً أن يرفض السيد عدرا الانقلابَ على الاتفاق بصفته المعنيّ الأول. أمّا «التيار الوطني الحر» فرفض، كما السيّد عدرا، ممارسة لعبة مزدوجة ولغة مزدوجة وملتبسة تجاه الرأي العام، خلافاً لِما طلبه البعض».

عن مبادلة الحقائب؟

‏بالنسبة إلى توزيع الحقائب، توضح مصادر رئيس «التيّار الوطني الحر» أنّ باسيل «قدّم كل التسهيلات بعدم الإصرارعلى أيِّ حقيبة وعدم رفض أيِّ حقيبة، لكنّ التوزيع العادل يجب أن يشمل الجميع، فلا يمكن أن يسُند الى «التيار الوطني الحر» كل ما يرفضه الآخرون من حقائب وإذا اعترض يُتّهم هو بالتعطيل». مضيفة «أنّ باسيل ‏سهّل الأمر على رئيس الحكومة المكلّف ولم يفتعل أيَّ مشكلة، لكنّ الآخرين رفضوا حقائب وأصرّوا على أخذ حقائب هي لـ»التيار» من دون أن يقدّموا البدائل، وهنا تبرز مسؤولية رئيس الحكومة المكلف تأمين التوزيع العادل للحقائب الوزارية وإتمامه».

تظاهرات في وجه العهد وباسيل؟

وعلى رغم وعود المعنيين بـ«العيدية الحكومية» قبل الأعياد، تلمّح مصادر باسيل الى «أنّ الآخرين، وهم كُثُر، يبدون غيرَ مكترثين لمصلحة الناس الى درجة أنّ البعض منهم يراهن على تظاهرات شعبية ضد العهد القوي، ما يوحي بوجود نيّات واردة وحقيقية ولم تعد خفيّة تهدف الى شلِّ العهد... وهذا ما لن نقبلَ بحصوله».

هكذا ردَّت مصادر باسيل على تلك النيّات، الأمر الذي يبشّر بـ«ولادة المواجهة» وليس «ميلاد الحكومة».