يومَ كانت البشرية تعاني من الحروب وترزح تحت نير الاحتلال، ويومَ فقد الإنسانُ الأمل بإحلال العدالة والمحبة والسلام وسكن في قلبه اليأس، ويومَ كان «شعب الله» يعيش حالة الانتظار، انتظار المسيح المخلص، ملك إسرائيل، أرسل الله ابنه الوحيد ليولد من مريم بالجسد إنساناً مثلنا ويتبنّى الإنسانية الضعيفة في أحقر درجاتها؛ ليولد فقيراً حقيراً متّضعاً مهاناً منبوذاً مهجّراً، لا بيت له ولا سقف سوى مذود وضيع في المغارة. وُلد في مدينة بيت لحم اليهودية بين أهله وبني قومه ولم يعرف به أحد سوى الغرباء: الرعاة والمجوس.
 

الرعاة الذين كانوا «يبيتون في البرّية، ويتناوبون السهر في الليل على رعيتهم؛ حضرهم ملاك الرب وأشرق مجدُ الرب حولهم. فخافوا خوفاً شديداً. فقال لهم الملاك: لا تخافوا؛ ها إني أبشركم بفرح عظيم يكون فرح الشعب كله: وُلد لكم اليوم مخلص في مدينة داود، وهو المسيح الرب». فأتوا بيت لحم... «ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً في مذود. فجعلوا يخبرون بما قيل لهم في ذلك الطفل» (لوقا 2/8-17).

أما المجوس الوافدون من المشرق، فجاؤوا أورشليم يبحثون عن «ملك اليهود الذي وُلد، والذي رأينا نجمه في المشرق»، ليسجدوا له. فتبعوا النجم وفرحوا فرحاً عظيماً جداً. ودخلوا البيت فرأوا الطفل مع أمه مريم. فجثوا ساجدين؛ ثم فتحوا حقائبهم وأهدوا إليه ذهباً وبخوراً ومُرّاً (متى 2/2 و10).

أما شعب إسرائيل الذي كان ينتظر تحقيق النبوءات في مجيء المسيح المخلص، فلم يعرف يسوع المولود، «عمانوئيل إلهنا معنا»، ولم يقبله ولم يُردْ أن يعترف به، كما قال يوحنا في بدء إنجيله: «جاء إلى بيته فما قبله أهل بيته» (يو 1/11).

وهيرودس، ملك اليهودية، «اضطرب واضطربت معه أورشليم كلها» واليهودية والامبراطورية الرومانية التي كان يمثلها. هو الجالس على عرش المُلْك وصاحبُ السلطة خاف على مُلكه وراح يبحث عن الطفل ليقتله. «واستشاط غضباً وأرسل فقتل كل طفل في بيت لحم وجميع أراضيها، من ابن سنتين فما دون ذلك» (متى 2/3 و16).

بولادة يسوع ابن الله المخلص انقلبت كل مقاييس البشر.

هو الإله والملك تنازل ليولد إنساناً فقيراً ليرفع الإنسانية الضعيفة إلى الألوهة. فأشرق نوره على الأرض وزرع الفرحَ في قلوب الرعاة والمجوس والرجاءَ في قلوب الفقراء والمظلومين واليائسين ومنحهم القوة على مجابهة كل تحدّيات الزمن. فتحوّل اليأس في قلوبهم إلى رجاء، والخوف إلى قوة، والحزن والبكاء إلى فرح عظيم.

وأصبح صاحب السلطة والمُلْك ضعيفاً خائفاً جباناً يائساً ينتقم من الأبرياء والمسالمين.

وتابع يسوع رسالته الخلاصية بين البشر يشجّع ويقوّي رسله وتلاميذه وكل مَن يريد أن يتبعه نحو الملكوت على مجابهة العواصف بإيمان ورجاء وثقة. «ما لكم خائفين يا قليلي الإيمان؟» (متى 8/26). «قوموا، لا تخافوا». (متى 17/7). «ثقوا، أنا هو، لا تخافوا» (مرقس 6/50). «تعانون الشدة في العالم، ولكن ثقوا أنا غلبت العالم» (يو 16/33).

وبعد قيامة يسوع من بين الأموات وحلول الروح القدس، انطلق الرسل والتلاميذ في كل أرجاء الامبراطورية الرومانية، وأبعد من حدودها، «يتلمذون جميع الأمم ويعمّدونهم باسم الآب والإبن والروح القدس، ويعلّمونهم أن يحفظوا كل ما أوصاهم به واثقين أنه معهم طوال الأيام وإلى نهاية العالم. (متى 28/19-20). وفيما كان الاضطهاد يشتدّ عليهم، راحو يزدادون جرأةً على إعلان الكلمة غير خائفين» (فيليبي 1/14).

رسالة الميلاد هي رسالة الفرح والنور والرجاء والسلام والجرأة على مجابهة الشرّ والعداوة والاضطهاد بسلام ومحبة ومغفرة.

ووصلت إلينا بعد 2018 سنة. فهل نهيّئ نفوسنا لاستقبال يسوع المولود بيننا؟

وكأنّ التاريخ يعيد نفسه: عداوة وانتقام، وحروب واحتلالات، وظلم الحكام، وتضاعف الهوّة بين الأغنياء والفقراء، وبين الدول الغنية والدول الفقيرة، وبين الشعوب الحرّة والشعوب المظلومة، وسياسة المصالح المتحكّمة بالعالم، وزيادة الضرائب غير المحتملة على الطبقة الفقيرة.

في هذه الظروف العسيرة يولد يسوع سنة 2018. فهل نعرفه ونتعرّف إليه مخلّصاً وحيداً؟

نقول اليوم لشعبنا ولشعوب العالم في الشرق والغرب:

أخرجوا من حالة اليأس التي تُظلم لياليكم، وانتصروا على الخوف الذي يسكن قلوبكم.

دعوا الملوك والسلاطين والحكّام يخافون! أما أنتم فأصبحتم أحراراً بالمسيح!

إذهبوا إلى يسوع الذي يولد اليوم في بيت كل إنسان فقير ومظلوم ومهجّر ومشرّد، واسجدوا له وقدّموا له هدايا قلوبكم. وليكن الميلاد هذه السنة مختلفاً!

ونقول لشبابنا وصبايانا:

أنتم الرجاء، أنتم المستقبل. المسيح يثق بكم، ونحن نحمّلكم طموحاتنا وتطلعاتنا ببناء مجتمع يليق بالإنسان الذي أصبحت كرامته من كرامة الإله.

ونتمنى أن تستعيدوا بالمسيح الفرح والرجاء والجرأة على خوض مغامرة الحب فتعيدوا بناء الإنسان وبناء الوطن، لبنان الرسالة، في دعوته التاريخية. أنتم قادرون على ذلك. فلا تخذلونا!