خلال العقود الثلاثة الماضية، ارتفعت وتيرة الفساد بشكلٍ غير مسبوق، واهترأت الإدارة الرسمية
 

انضمّ وزير الدفاع الأميركي السيد "ماتيس" إلى قائمة المستقيلين الطويلة من إدارة الرئيس دونالد ترامب، وقد ضرب الرئيس الأميركي رقماً قياسياً في عدد المسؤولين الذين استقالوا، أو أُعفيوا من مناصبهم في عهده، من أعلى المراتب إلى أوسطها وربما إلى أدناها: وزراء، كبار الموظفين المدنيّين، قادة عسكريّين كبار، مسؤولين أمنيّين، بربّكم، هل تذكرون إسم مسؤول لبناني واحد أقدم على الاستقالة من منصبه؟ احتجاجاً على خرق القانون، أو اعتراضاً على فسادٍ أو رشوة، أو لخلافٍ في المنهج والأداء والرّؤية مع الرؤساء النافذين، أو إبراءً للذّمّة، أو انتصاراً لحقٍّ أو دحضاً لباطل؟ 

في تاريخ لبنان المعاصر بعد الاستقلال الوطني، استقال رئيس الجمهورية بشارة الخوري، واستقال بعده الرئيس اللواء فؤاد شهاب، وعاد عن استقالته بعد ضغطٍ شعبيّ ونيابي، ومن ثمّ رفض تعديل الدستور لتمديد ولايته الرئاسيّة، مع أنّ الأمر كان مُتاحاً ومُيسّراً، وخلال عهده استقال رئيس الحكومة رشيد كرامي بعد الاضطرابات الأمنية مع الفلسطينيين، كذلك استقال الرئيس صائب سلام بعد عملية الكومندوس الإسرائيلي على مطار بيروت.

إقرأ أيضًا: أبناء الطائفة الشيعية في نعمة وبحبوحة..لا تختلطوا بالرّعاع

خلال العقود الثلاثة الماضية، ارتفعت وتيرة الفساد بشكلٍ غير مسبوق، واهترأت الإدارة الرسمية، وتفاقم الدّين العام، وتلوّثت البيئة، ووصل الفساد إلى كافة المنظومات الأمنية والقضائية والتعليمية والاقتصادية والإعلامية، ومع ذلك لم نسمع عن وزيرٍ أو موظف كبير أو صغير استقال، اللهمّ، وقبل أكثر من عشرين عاماً، استقال رئيس محكمة الجنايات في جبل لبنان، وعلّل استقالته يومئذٍ بتدنّي راتبه لأقلّ من مائة دولار، وهو لا يكفيه لمدةّ أسبوع، وأنّ تعويض نهاية الخدمة المضنية لا تكفي لشراء قبرٍ له بعد مماته، لذا فضّل الاستقالة وفتح مكتب محاماة ليرُدّ عنه غائلة الجوع، ومنذ فترةٍ قصيرة استقال قاضٍ آخر احتجاجاً على سوء سير العدالة، والشيء بالشّيئ يُذكر، استقال منذ عدّة سنوات رئيس المجلس النيابي السابق السيد حسين الحسيني، ربما لاحساسه بعدم فعاليته في مجلس "مُعلّب"، وربما أيضاً لانعدام الفرق بين راتب النائب الحالي وراتب النائب المتقاعد.

إلى التّظاهر يوم الأحد القادم، لكن، ومنعاً للإحباط، لا تحلموا بأن تسقط شعرة واحدة من رؤوس المسؤولين، فما بالكم بالاستقالة!