قاد اعتداد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالنفس إلى خسارة عناصر مؤثرة في البيت الأبيض كان آخرها وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي أعلن استقالته الخميس في خطوة رمزية تكشف عن صعوبة التفاهم مع ترامب بشأن ملفات حساسة تهم الأمن الأميركي، وكان آخرها الانسحاب المربك من سوريا وأفغانستان، ما سيعرض مصالح الولايات المتحدة وأمن حلفائها للخطر.
 
يأتي هذا في وقت تزداد فيه الانتقادات لسياسة “ترامب أولا” التي يلجأ إليها الرئيس الأميركي لتحديد استراتيجيات واشنطن المختلفة، دون الأخذ بالاعتبار مواقف مراكز النفوذ الرئيسية في الولايات المتحدة مثل البنتاغون والكونغرس.
 
وقدّم ماتيس استقالته الخميس في رسالة لاذعة إلى الرئيس ترامب مذكرا إياه بواجبات الولايات المتحدة إزاء الحلفاء، غداة إعلان الأخير عن قرار الانسحاب الأميركي من سوريا.
 
وكتب ماتيس في رسالته “إن قوّة أمّتنا ترتبط ارتباطا وثيقا بقوّة نظامنا الفريد والمتكامل القائم على التحالفات والشراكات”، مذكّرا ترامب بأن “الدول الديمقراطية الـ29 في حلف شمال الأطلسي أعربت عن مدى صلابة التزامها من خلال القتال إلى جانبنا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر”.
 
وتكشف استقالة ماتيس الخلاف بين الإدارة الأميركية والبنتاغون بشأن الأولويات وكيفية تنفيذ استراتيجية عدم الانخراط العسكري المباشر في أزمات الشرق الأوسط.
 
ويرى العسكريون أنهم الأقدر على وضع الخطط على الأرض، لكن الإدارة لديها توجهات وتريد فرضها على العسكريين وهذا ما تسبب في استقالة وزير الدفاع.
 
وقد أشادت الأوساط السياسية الأميركية بقرار ماتيس وخطاب الاستقالة، ما يعكس اختلافا واسعا مع سياسة ترامب في احتكار القرارات المصيرية.
 
ولم يقف الانسحاب الأميركي عند سوريا، بل تخطط واشنطن لسحب 14 ألف جندي في أفغانستان في إطار مهمة حلف شمال الأطلسي المعروفة باسم “الدعم الحازم”، وهو ما يترك الحكومة الأفغانية في وضع صعب، كما أنه سيجبر القوات الغربية الأخرى على مراجعة استراتيجية انتشارها وأدائها في أفغانستان، ونفس الأمر بالنسبة إلى التحالف الدولي ضد داعش الذي يركز عملياته بين سوريا والعراق.
 

وفي الرسالة التي عمّمها البنتاغون الخميس، أعاد ماتيس تأكيد قناعاته، مشيرا إلى أنها تختلف تماما عن تلك التي يتمسّك بها ترامب، من دون أن يأتي على ذكر قرار الانسحاب من سوريا.

وكتب “قلت مثلكم منذ البداية إن القوات الأميركية المسلّحة ليس لها أن تكون شرطي العالم”، في إشارة إلى التبرير الذي قدّمه ترامب لسحب الجنود الأميركيين المنتشرين في سوريا والمقدّر عددهم بنحو ألفين على أسرع وجه.

وشدّد ماتيس على ضرورة “معاملة الحلفاء باحترام”، في وقت يضع انسحاب الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية التي تصنّفها تركيا في عداد “المجموعات الإرهابية”، في مهبّ الريح.

وقال الوزير الذي قرّر ترك منصبه في النهاية “ينبغي أن نبذل قصارى جهدنا لتعزيز نظام دولي يخدم أمننا وازدهارنا وقيمنا. ونحن نستمدّ القوّة في مجهودنا هذا من تحالفاتنا المتينة”.

وقال الوزير الذي قرّر ترك منصبه في النهاية “ينبغي أن نبذل قصارى جهدنا لتعزيز نظام دولي يخدم أمننا وازدهارنا وقيمنا. ونحن نستمدّ القوّة في مجهودنا هذا من تحالفاتنا المتينة”.

وأضاف “أنا أيضا على قناعة بأنه ينبغي لنا أن نعتمد مقاربة حازمة لا لبس فيها إزاء البلدان التي تزداد مصالحها الاستراتيجية تعارضا مع مصالحنا يوما بعد يوم”، في إشارة إلى الصين وروسيا.

ولم يكن الخلاف بشأن الانسحاب من سوريا فقط، فقد سبقت خلافات جذرية بشأن استراتيجية التعاطي مع إيران، وفيما يعتقد ترامب بإمكانية توجيه ضربات لطهران لإجبارها على التراجع عن أدوراها الإقليمية، يميل ماتيس ومن ورائه جنرالات بارزون في البنتاغون إلى تجنب المواجهة والاستمرار بالضغط الدبلوماسي والاقتصادي.

وكتب ماتيس “لئن يحقّ لكم تعيين وزير دفاع تكون آراؤه أكثر تماشيا مع آرائكم (…) أعتقد أن انسحابي هو عين الصواب”، متعهدا بألا يوفّر جهدا “كي يجري الانتقال بسلاسة”.

وكتب السيناتور الجمهوري بن ساس في تغريدة أن “الجنرال ماتيس قدّم للرئيس رأيا كان من الأجدى أن يأخذ به”، مشيرا إلى أن “النزعة الانعزالية استراتيجية ضعيفة من شأنها أن تنعكس سلبا على الأميركيين”.

وعلّقت الديمقراطية نانسي بيلوسي من جهتها “أعتقد أنه يجدر بالجميع في البلد قراءة رسالة الاستقالة هذه. فهي رسالة تعبق بالحسّ الوطني”.

واعتبر زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ليندسي غراهام، الذي يعد من أشد أنصار ترامب، أن “كل ما جرى في العراق سيحدث في سوريا أيضا إذا لم يعد النظر بقرار الانسحاب من سوريا. ولا أحد يمكنه إقناعي بأن الدولة الإسلامية قد هُزمت”.

وقال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو في تعليقه على خطاب الاستقالة الذي أعلنه ماتيس “من الواضح تماما أننا نتجه نحو سلسلة من الأخطاء السياسية الخطيرة التي ستعرض أمتنا للخطر، وتدمر تحالفاتنا وتُقوي أعداءنا”.