وهلْ، إذا ألَّفوها... أو ألَّفوها لهم، ستبدأ الأنهار تجري متدفّقةً من تحت ظِلالِ الجنّة... ونُصبحُ إذا أَمسكْنا التراب يتحوّل بين أيدينا الى ذهب...؟

ولكن، ماذا عن القول: «أصبحنا أمام خطر وجودي علينا وعلى بلدنا...» «والبلد يسقط من بين أيدينا...»؟

هذا الكلام ليس كلامَ أغنية يُنشدها راغب علامة...

وليس كلامَ نائبٍ مراهق قذفَـتْهُ رياح عالم المقاولات الى عالم السياسة.

وليس كلامَ وزيرٍ خرّيج انتخاباتِ قانون النسبية الذي اخترعه الفيزيائي الأميركي أينشتاين.

... «أصبحنا في خطر وجودي...» هذا كلامٌ أطلقه فخامة الرئيس ميشال عون أمام زواره... (1)

... «والبلد يسقط من أيدينا...» (2) هذه صرخة يائسة أطلقها دولة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهو المعروف بترويض الثيران من قرونها.

البلد يسقط، والبلد يطير، والخطر وجودي، وهذا الواقع بكل فواجعه المرعبة يتعلق بقرار توزيرِ وزيرٍ كأنما هو قرار إلهي، أو كأنما هذا الوزير السماوي هو «الجبرائيل» الذي ينقذ المصير المتهاوي تشبّهاً بأحد الوزيرين اللَّذين عَناهُما النبي: «لي في السماء وزيران هما جبرائيل وميكائيل..» وهما يؤازرانه الى جانب وزراء الأرض.

الذين عابوا على الفنَّـان أغنـية «طار» البلد، هل يسمعون الألحان المأتمية التي يعزفها المسؤولون عن «سقوط» البلد وكيانه الوجودي...؟

مع أن الذي يطيـر بالجناحين، فبالجناحين يستطيع أن يهبط الى حيث كان، فيما الذي يسقط محطّماً الى تحت لا يستطيع النهوض معافىً الى فوق.

وحده السقوط من يد الرجال الكبار يُـعْتَبرُ صعوداً، فالذين عيَّـروا الأمير فخر الدين الثاني بقصْرِ قامته حتى إذا سقطت البيضة من يده على الأرض فلا تنكسر، خيَّب فأْلَـهم الأمير متفوقاً على «كولومبس» في معجزة إيقاف البيضة مرفوعة على رأسها... وبالبيض المرفوع يستطيع الرجال أن يقفوا مرفوعي الرأس على أرجلهم.

فخامة الرئيس.. دولة الرئيس، كلاكما يتمتّـع بالقدرة على تطبيع بيضة كولومبس.. إلّا أنّ الخطر الأكبر تكرّس في قانون الإنتخابات الذي نستَطيبُه كمن يتجرّع السمّ، حين جعلنا بـهِ من الدين مذاهب، ومن المذاهب أوطاناً يتصارع فيها الأنبياء على النفوذ السياسي وتقاسُمِ المكاسب والمناصب، فحين تحلُّ المذهبية محـلَّ الوطنية يكون الخطر والفساد، وحين يُمارَس الفساد باسم المذاهب تصبح المذاهب فاسدة.

من هنا، كانت العقدة الدرزية والعقدة المارونية، والعقدةُ السنيّة المتشيِّعة، فيما العقدة الشيعية تتربص كامنةً بما يشبه المسدَّس الكاتم للصوت.

هذه العِقدُ المعقّدة ستستمرّ متضخَّمة، وقد تتمخَّض بما هو أعظم إن لم تُعالَج أسبابها، ومن دون التصدِّي لهذه الأسباب سنظل ضحية صراع محموم في دولةٍ لا يتصالح فيها أبناؤها إلّا بالموت.