هذا القرار المفاجئ جاء على وقع ألحان التصعيد الإسرائيلي والتهديدات اليومية التي يطلقها نتنياهو
 

ليست هي المرة الأولى التي يُعلن فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رغبته سحب قواته من سوريا، فقد كان قد أعلن عن ذلك في نيسان الماضي، لكن يبدو أن هذه المرة أكثر جدية وإن جاء مفاجئاً حتى لدوائر القرار في الإدارة الأميركية نفسها مما جعل وزارة الخارجية الأميركية ووزارة دفاعها يعلنان عن صدمتهما.

الجدية الوحيدة هذه المرة مستقاة من تصريح رئيس وزراء العدو أنه تم إبلاغه قبل يومين من تصريح ترامب، مما يوحي أن هذه المرة هي غير سابقاتها.

بعيداً عن تفاصيل الإنسحاب الأميركي وهل سيشمل ذلك الإنسحاب تفكيك القواعد العسكرية والمطارات التي أُنشِئت شرق الفرات؟ أو هو عبارة عن إعادة تموضع لتلك القوات على الطريقة الروسية أيضاً؟ وعلى كلا التقديرين فإن للقرار أبعاد سياسية وميدانية كبرى لا بد من الإشارة إلى بعضها.

إقرأ أيضًا: حتى لا يسرقوا منا السترة الصفراء

وما يعنينا بالدرجة الأولى، ليس ما يذكر عن فسح المجال للأتراك من أجل إنهاء الأزمة الكردية وما لهذا الأمر من أهمية في سياق إعادة خلط الأوراق عبر ترك هذا البؤرة المتداخلة بامتداداتها الإقليمية وإرباك الأطراف المعنيين فيها بشكل مباشر.

الذي يعنينا أكثر، أن هذا القرار المفاجئ إنما جاء على وقع ألحان التصعيد الإسرائيلي والتهديدات اليومية التي يطلقها نتنياهو مترافقاً ذلك مع التحرشات الإسرائيلية عبر ما يسمى بإطلاق عملية "درع الشمال" وإثارة قضية الأنفاق ووصولها حتى إلى مجلس الأمن الذي عقد جلسة عاجلة للبحث "بخرق" حزب الله للخط الأزرق والقرار 1701.
 
فمن بديهيات القول هنا، أن أي تصعيد أو حرب ينوي الإسرائيلي شنّها لن تكون مختصرة هذه المرة بالميدان اللبناني وستتمدد حتماً إلى الجغرافيا السورية التي عملت إيران منذ سنوات على دمج الساحتين، مما يعني بالضرورة أن القواعد الأميركية والـ 2000 جندي المتواجدين فيها ستكون بمثابة أهداف سهلة لصواريخ ومقاتلي حزب الله وإن عبر مسميات جديدة "المقاومة السورية" على غرار "المقاومة العراقية" التي قاتلت الإحتلال الأميركي.

إقرأ أيضًا: أهل الجنوب والنفق والنفاق
 
مع التأكيد هنا  بما جاء على لسان مسؤولين أميركيين بأنهم يمكنهم التأثير على المنطقة عسكرياً ولكن بطرق أخرى، وعليه يكون الإنسحاب بهذه الحالة هو نذير شؤوم يُنبىء بالتجهيز لحرب قادمة على المنطقة.

البعد الآخر لقرار الإنسحاب قد يأتي بالإتجاه المختلف تماماً، باعتبار أن الإشتباك الأميركي الإيراني بالمنطقة والعقوبات الأميركية على إيران  قد أتت أُكلها بالكثير من الملفات إن باليمن أو بالعراق ولبنان من خلال السماح بتحريك العجلة السياسية على حساب الحدّ من النفوذ الإيراني.

وعليه، يأتي هذا القرار بالإنسحاب كمقدمة لإعلان الإنسحاب الإيراني والمجموعات التابعة لها من كامل سوريا، يبقى أن الأيام والأسابيع القادمة كفيلة وحدها لنعرف بأي الإتجاهين سوف تسير الأمور.