الدور الأساسي والطبيعي لنقابات لبنان مُعطّل بل مُشوّه، وهي تصدّ الهجمات عن الطبقة السياسية وتُدافع عن ساحتها
 

وضع إقتصادي خطير وهريان على مختلف الأصعدة، مع معدلات نمو إقتصادي سجّلت حوالي 0,5% ونسب بطالة مرتفعة وغلاء معيشة وإرتفاع غير مدروس للأسعار، كلها عوامل طبيعية لأي حركة إحتجاج في الشارع، ومتنفس حقيقي لعمل الحركة النقابية بشكل عام.

فدائماً تلعب النقابات في بلدان العالم دوراً أساسياً عند إندلاع الأزمات الإقتصادية والمعيشية، وهي من تقود الشارع وتُنظّم الإحتجاجات والتظاهرات وتضغط على الحكومات وتفاوضها، ومن خلال هياكلها التنظيمية وأطرها تستطيع النقابات عادة تحقيق نتائج مثمرة وسريعة في بعض الأحيان ، تُساهم في إستقرار البلد بعدها إقتصادياً وسياسياً.

إلاّ أن الواقع في لبنان مُغاير تماماً، فالأكثرية الساحقة من النقابات لا تتحرّك إنطلاقاً من أزمة معيشية خانقة أو مطلب شعبي، بل من أجل تحقيق مكاسب سياسية لزعماء الطبقة السياسية.

إقرأ أيضًا: هل يُريد الشيوعي تغيير النظام حقًا؟

إذ أن الحركة النقابية في لبنان تفتقد للإستقلالية، وهي بمعظم هياكلها تابعة للأحزاب السياسية التي تتنافس فيما بينها للإستحواذ عليها، فتكون عادة المعارك الإنتخابية داخل هذه النقابات بين أحزاب السلطة أنفسهم ومعظم المنتسبين إليها هم بالأساس يتبعون لأحزاب هذه السلطة.

وببلد طبيعي تُمارس فيه النقابات دور المراقب والمعارضة، فإن الوضع في لبنان على العكس تماماً، إذ أن النقابات تقوم بضبط هذه الفئة المعارضة من الناس وتُوجّهها حسب ما تريد الطبقة السياسية.

لذلك الدور الأساسي والطبيعي لنقابات لبنان مُعطّل بل مُشوّه، وهي تصدّ الهجمات عن الطبقة السياسية وتُدافع عن ساحتها، إذ أن النقابات والهيئات الإقتصادية ومجالس الطلاب الجامعية كلها مخترقة من قبل أحزاب السلطة وتعمل في خدمة أهدافها، ما يجعل كثر ورغم الواقع الإقتصادي الصعب يُشكّك بمصداقية أي تظاهرة وحراك شعبي وبجدواه ويذهب سريعاً لإتهامه بالتسييس، كون الطبقة السياسية لها تجارب مسبقاً في إستخدام بعض النقابات للضغط على الحكومة أو أحزاب أخرى في ملف سياسي لا يهم المواطن بالأساس، متذرعةً بحقوق الناس، حتى باتت النقابات سلاح بيد السلطة تضرب به بدل أن تُضرب به.  

ويبلغ عدد النقابات في لبنان حوالي ٤٩ ويتألف الإتحاد العمالي العام من ٤٩ عضو تنفيذي (نقابات وجمعيات إلخ) وتضم الهيئات الإقتصادية تحت جناحها ١٤ هيئة. 

إقرأ أيضًا: الكهرباء بتجي دقيقة وبتقطع ساعات بمنطقة بنت جبيل

فالنقابات بالشكل والعدد والتجهيز اللوجستي مستعدة للحراك على الأرض وقيادة الناس والتعبير عن وجعهم، وهنا تأتي الإشارة إلى دورها المعطّل وضرورة أن يكون قرارها حرّ ومستقل عن مصالح الطبقة السياسية.

ودون هذه الإستقلالية، فإن الإنقسام حولها والتعثّر في أدائها سيبقى مستمراً، وأي حراك في الشارع سيكون جيداً بالشكل لكن لا جدوى منه ولن يُثمر عن أي نتيجة إيجابية في ظل غياب النقابات عنه وإبتعادها عن هذا الوجع. 

ومتى تحرّرت النقابات من التبعية السياسية ، إنتظم عمل المعارضة بشكل عام وسيُصبح مجرد التلويح بالشارع من قبل النقابات ضغطًا على الحكومة للإستجابة لمطالب الناس.