ينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر ولادة الحكومة، وكأنّ هذا الاستحقاق الذي يجب أن يكون عادياً نراه يتحوّل الى حدثٍ يستقطب الإهتمام.
 

 لا يمكن إخفاءُ مستوى الإنحطاط الذي وصل إليه القسم الأكبر من السياسيين غير الآبهين لما يحصل في البلاد، وكأنّ هذه الدولة لا تعنيهم، وكل همهم كسب المزيد من المال والنفوذ والسلطة، فيما المراجع الدولية تحذّر من أنّ الوضع بات على شفير الإنهيار.

وما يزيد الوضع تعقيداً، هو أنّ الحكومة وإن شُكّلت، لن تحمل أيَّ خطة إنقاذية وهي مما لا شك فيه ستُؤلّف من قوى سياسية متناحرة ومتقاتلة ولا يربطها أيُّ رابط، ولن تكون فريق عمل واحداً متجانساً أو يعرف ماذا يريد، ما سيزيد في «الطين بلّة» لأنّ آمال الناس معلّقة على الحكومة، لكنّ المؤشرات تدلّ على أنها لن تكون على قدر التوقعات خصوصاً أنّ الناس خبروا معظم القوى السياسية.

ولا ينكر أحدٌ أنّ من أولى التحديات التي ستواجه الحكومة المقبلة هي الوضع الإقتصادي والإجتماعي الهشّ، وإنقاذه يحتاج الى خطة عمل طارئة ومحاربة الفساد والهدر، كما أنّ تطبيق مندرجات مؤتمر «سيدر» ضروريٌّ خصوصاً أنّ للبنان إلتزامات أمام المجتمع الدولي.

لكن وبعيداً من الإقتصاد وأهمّيته القصوى، هناك مشكلات سياسية وتحدّيات أمنية قد تعصف بالحكومة وتهدّدها بالتفجير من الداخل،

ومن أولاها عدمُ التجانس بين الوزراء أو القوى السياسية المكوِّنة للحكومة؛ وسنشهد على جبهات داخلية قد تنشأ، وقد تكون بين وزراء العهد ووزراء حركة «أمل»، أو بين «التيار الوطني الحرّ» و»القوات اللبنانية»، وبين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، أو بين «القوات» و»المستقبل» و»الإشتراكي» وبين فريق «التيار» والعهد و»حزب الله» و»أمل»، وكل جبهة يمكن أن تنشأ حسب الملفات التي تُطرح.

ومن بين الألغام التي قدّ تفجّر الحكومة أيضاً، ملف العلاقات مع سوريا، ففريق العهد لا يمانع في إعادة ما إنقطع مع النظام السوري، و»حزب الله» وحلفاؤه يعملون من أجل هذا الموضوع على إعتبار أنّ محورَهم إنتصر، وسيفتحون هذا الملف من بوابة النازحين والجدوى الإقتصادية، في حين يؤكد «المستقبل» و»القوات» و»الإشتراكي» رفضهم التنسيق مع النظام السوري نهائياً، وما يزالون عند رأيهم في هذا الملف.

وكذلك، يُطرح ملفّ التعامل مع أزمات المنطقة حيث سيكون من أهم البنود التي ستوتّر الأجواء السياسية، وعلى رأس هذه الملفات العلاقة مع دول الخليج ومدى إلتزام سياسة النأي بالنفس وعدم تدخّل «حزب الله» في شؤون المنطقة وشجونها.

ومن هذه النقطة يتمّ الدخولُ الى المحور الأهم وهو دور «حزب الله» المستقبلي خصوصاً إذا تمّ إنتهاءُ دوره العسكري في سوريا والمنطقة وعودته الى لبنان، فالسؤال الكبير الذي يُطرح هو هل إنّ الدولة اللبنانية أو الحكومة قادرة على إستيعاب الحزب ضمنها والبحث في الإستراتيجية الدفاعية وتسليم سلاحه وسلاح كل الميليشيات اللبنانية والفلسطينية الى الجيش؟ وهل يقبل العهد بازدواجية السلاح ووجود جيشين على أرضه؟

تُعتبر الفترة الممتدة من اليوم الى تشرين 2022، تاريخ إنتهاء عهد الرئيس ميشال عون طويلة جداً، إذ إنّ صمود الحكومات في بلد متقلب سياسياً مثل لبنان طوال هذه المدة يُعتبر صعباً جداً، لكن من ناحية ثانية فإنّ طول عمر الحكومة المرتقبة قد يؤدي الى إستقرارٍ سياسيّ في حال تجانسها.

في المقابل، إنّ فشل هذه الحكومة يعني فشل العهد، إذ لم يعد هناك من فرصة أخيرة، فالنازحون يجتاحون البلاد ولا حلول ظاهرة في المدى القريب، والدين العام يرتفع والوضع الإقتصادي يتدهور، والطبقة السياسية عاجزة عن حلّ أزمات وجودية وهي تُعتبر من أهم التحديات التي ستواجه الحكومة، كما أنّ الفساد ينخر مؤسسات الدولة والبلاد تضيع بين الصفقات والسمسرات، ولا مِن منقذ.

قد تكون التحديات لا تُعدّ ولا تُحصى، ومن أبرزها الإنتخابات البلدية والنيابية والرئاسية عام 2022، وهذا الامر، وإن كان سابقاً لأوانه، فإنّ أسئلةً كثيرة تُطرح من الآن وحتى تلك المرحلة، فأيُّ انتخاباتٍ من الثلاثة قد تؤجَّل، وهل ستؤجَّل الثلاثة معاً ونصل الى الفراغ العام؟