أظهرت البيانات المنجَزة لدى وزارة المالية في لبنان، اتساع هامش الخلل الناتج بين النمو الضعيف في واردات الموازنة والزيادات الكبيرة في النفقات العامة، ما أنتج تعاظم العجز الكلي بنحو 2.15 مليار دولار في الفصل الثالث من العام الحالي، ليصل إجماليه إلى نحو 4 مليارات دولار، الأمر الذي يعزز المخاوف من تجاوزه نحو 5.3 مليار دولار في نهاية العام المالي، أي ما يناهز 10% من الناتج المحلي، والذي يقدَّر أن ينمو بنسبة ضعيفة لا تتجاوز 1.5%.

وبلغ العجز الإجمالي للموازنة نحو 3.96 مليار دولار، مقابل 1.812 مليار دولار في أول 9 أشهر من عام 2017، أي بنمو نسبته 118%، ونتجت الفجوة المثيرة عن زيادة النفقات من مستوى 9.64 مليار دولار إلى عتبة 12 مليار دولار، بزيادة بنسبة 24%، بينما اقتصرت زيادة موارد الخزينة من 7.83 مليار دولار إلى نحو 8 مليارات دولار، أي 2.4%، وارتفع بذلك العجز الأوّلي للموازنة من نحو 18.8% إلى 33%.

وتتماشى هذه النتائج مع التحذيرات التي أطلقها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف بشأن ضرورات الإسراع بمعالجة مشكلات المالية العامة، وتتناقض -بصفة خاصة- مع التزامات الحكومة اللبنانية بخفض العجز الإجمالي في الموازنة من مستوى 10% من الناتج إلى 5% خلال 5 سنوات، وذلك ضمن حزمة إصلاحات تلاقي الدعم الدولي المقرر في مؤتمر «سيدر1»، والذي التزم بتقديم نحو 11.8 مليار دولار منحاً وقروضاً ميسَّرة للقطاعين العام والخاص، بينها نحو 4 مليارات دولار من البنك الدولي، على أن يتم توظيف الدعم ضمن مشاريع بناء وإعادة تحديث البنى التحتية وفق الخطة الحكومية الطموحة، التي تبلغ كلفتها الإجمالية أكثر من 16 مليار دولار.

وحسب معطيات ملخص الوضع المالي المقارن على أساس سنوي حتى الفصل الثالث، تكفلت العجوزات المتفاقمة لدى مؤسسة كهرباء لبنان بالحصة النسبية الأكبر من زيادة النفقات، إذ تم تحويل نحو 1.234 مليار دولار لتغطية الحاجات المالية الإضافية، بزيادة نسبتها 38% عن الفترة عينها من العام الماضي. وبذلك يمكن ترقب وصول إجمالي عجز المؤسسة إلى ما يفوق 1.6 مليار دولار في نهاية العام المالي.

وزادت النفقات العامة، والتي تشكل مركز الثقل الأساسي في الموازنة، بقيمة تناهز الملياري دولار، وبنسبة 34%، لتصل إلى نحو 8 مليارات دولار. وبذلك استحوذ هذا البند على كامل الواردات المحققة للفترة ذاتها. بينما كان مثيراً ارتفاع بند مدفوعات الخزينة إلى البلديات بنسبة 266%، لتصل إلى نحو 522 مليون دولار، ما يعزز الاعتقاد بأن «الغايات الانتخابية» كانت من أسباب ضخ نحو 380 مليون دولار إضافية لصالح الإدارات المحلية في المدن والبلدات.

كما زادت الفوائد المسددة على الديون الخارجية، وأغلبها يعود لسندات الدين الدولية، بنسبة 22.6%، لتبلغ نحو 1.36 مليار دولار. بينما بلغ إجمالي الفوائد المسددة على سندات الخزينة بالليرة نحو 2.42 مليار دولار. وهذا يعني أن إجمالي خدمة الدين (الليرة والدولار) بلغت نحو 3.78 مليار دولار في 9 أشهر، ما يتوقع معه أن الرقم السنوي سيتجاوز 5 مليارات دولار، علماً بأن منظومة الفوائد تسجل ارتفاعات مطردة، ومنها ارتفاع المردود على سندات الخزينة ذات الآجال الطويلة (15 سنة)، والمصدَّرة بالليرة من متوسط 8% إلى 10.5%.

وتجدر الإشارة إلى شبه عقم الإجراءات الضريبية المستحدثة في زيادة الواردات لصالح الخزينة، إذ اقتصرت الزيادة الفعلية على زيادة حصيلة الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 11.4%، لتصل إلى نحو 1.892 مليار دولار، بدفع من زيادة معدل الضريبة من 10 إلى 11%، ما يدل على عدم حصول تحسن في الاستهلاك.

فيما اقتصرت الزيادة في الإيرادات الضريبية العامة، والتي تحوز حصة تفوق 81% من إجمالي الواردات، على نسبة تقل عن 2%، لتصل إلى نحو 6.54 مليارات دولار. وكذلك نمت إيرادات الاتصالات بنسبة 22.6%، لتبلغ نحو 650 مليون دولار، ومعظمها يرِد من شركتي الهاتف النقال المملوكتين للدولة.