منذ قرابة السبعة أشهر واللبنانيون الذين أصبح قرابة نصفهم تحت خط الفقر يعيشون بين الأمل في أن يروا حكومة تمثلهم وترعى شؤونهم وتعالج مشاكلهم الناتجة في معظمها عن سوء إدارة الصيغة السياسية القابضة منذ عشرات السنين على السلطة فتستخدمها لأغراضها الخاصة، ولمطامعها في التربع على عرش السلطة على حساب لقمة عيش المواطن البائس، وتستجيب في ذات الوقت لنصائح المجتمع الدولي في العمل على تغيير هذا الواقع المزري بإدخال عدّة إصلاحات في مقدمها وقف الاهدار العام ومكافحة الفساد باستئصال الفاسدين من جذور الدولة، ووضع هندسة مالية جديدة تقوم على قاعدة الشفافية التامة التي تخدم التطور المطلوب لوقف العجز في الخزينة العامة، وبين الاحباط شبه التام نتيجة عجز السلطة وأربابها عن إنتاج حكومة إئتلاف وطني أو حكومة وحدة وطنية كما يحرص الرئيس المكلف على تسميتها نتيجة الخلاف بين الطبقة الحاكمة على تقاسم الحصص في ما بينهم، كلٌّ حسب ما يتلاءم مع أجندته الخاصة في الاستئثار بالحكم، وفي نهب المال العام لتكريسه في صناديق حديد واستخدامه في الأوقات المناسبة لشراء الضمائر التي تؤمن لهم الاستمرارية في التسلط والتحكم برقاب العباد.

وها هم اليوم وبعد أن وصلت البلاد إلى شفير الكارثة التي تحدث عنها مؤخراً رئيس الجمهورية المسؤول عن الدولة وصيانتها بحكم قسمه الدستوري، بعدما انتخبه المجلس النيابي الذي يفترض فيه أن يكون الممثل الفعلي والحقيقي للشعب اللبناني الذي انتخبه بصرف النظر عن ظروف هذا الانتخاب الذي أبقى أكثر من نصف اللبنانيين معتكفين عن المشاركة  في إعطاء أصواتهم لأيّ من  هؤلاء النواب، عاد فريق السلطة يتحدث عن ايجابيات تحققت على صعيد تأليف الحكومة باعثاً الأمل في نفوس المواطنين بإنتهاء رحلة العذاب وبداية مرحلة الانطلاق نحو مستقبل واعد بالخلاص مما آلت إليه الأحوال العامة في البلاد وانبعاث فجر جديد حاملا معه بشرى الخلاص من الواقع المزري الذي تتخبط فيه البلاد منذ ما قبل انتخاب رئيس للجمهورية بعد توقف الحياة في كل شرايين الدولة أكثر من سنتين ونصف السنة، وكأن هؤلاء الذين أشاعوا هذه الآمال الجديدة بولادة الحكومة العتيدة، واثقون بأن الطبخة قد استوت وحصل كل فريق على حصته من الجبنة الحكومية. فالرئيس المكلف حدّد من لندن أن المسافة الزمنية التي تفصل اللبنانيين عن ولادة الحكومة باتت قصيرة جداً وستكون الولادة قبل نهاية العام الحالي، ووزير الخارجية جبران باسيل الذي يقود من جانبه معركة الهيمنة على الحكومة العتيدة لتكون فعلاً ولا قولاً حكومة العهد الأولى بشّر من جنوب لبنان بإنتهاء الأزمة وقرب ولادة الحكومة قبل نهاية السنة، لكن اللبنانيين المحبطين لم يصدقوا لا وعود هذا ولا تعهدات ذاك بقرب الإفراج عن الحكومة، واستعادة الأمل عند اللبنانيين وحتى عند المجتمع الدولي بإنبلاج فجر جديد لأنهم يعرفون تماماً أن الحل ليس في يدي الرئيس المكلف وإنما هو في يد الوزير باسيل الذي لا يزال متمسكاً بالثلث المعطل وبيد حزب الله الذي لا توجد حتى الآن أية بوادر ترجح تراجعه عن توزير أحد النواب السُنة في الحكومة العتيدة، ولا القبول بتوزير أحد من خارج هذا اللقاء أياً كان ومهما كان قربة منه، وهذا ما يجعل الأمل الذي حاولوا زرعه مجدداً في نفوسهم مجرّد وهم لا أكثر ولا أقل.